وسام وملك طفلا المخيم فاقدي مساحات اللعب الخضراء، غير المشاركين في “برامج الحق في اللعب” لربما سمعا من بعض أقرانهما بأن هنالك أملا في يوم أن يمارسا حقاً في اللعب واللهو على غرار الأطفال في دول العالم بهدوء وأمان بعيداً عن هدير الطائرات وقصف المدافع، علّهم يعوضون ما كان قد فاتهم، ولحين تحقق الحلم قررا أن يجعلا من الكثبان الرملية مساحتهما الخاصة باللعب وإن جاورها بركة صرف صحي، لما لا طالما لم تتوفر البدائل.
لم تمنح بركة الصرف الصحي في خانيونس وسام وملك الفرصة وعاجلتهما بأن التهمتهما في باطنها لتصعد الروح لبارئها تشكو من أهمل علاج مشكلاتهم وقصر في معالجة أمورهم ولينعم جسديهما بمتعة اللعب في جنان خضر وإستبرق.
قضية غرق ملك ووسام تفاعل معها الجمهور ووسائل الإعلام، تخلله اتهام متبادل ما بين بلدية خانيونس ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين، وغصّت مواقع الإنترنت بقصص التعاطف اللحظية التي ما لبثت أن اختفت بمرور الأيام وزحمة الأحداث التي تعصف بقطاع غزة دون أن يُقدَم أحد للمحاكمة ودون أن يُحاسب المقصر ودون أن ننظر أو نتفكر لمَ وصلنا إلى هذا الحال.
مأساة تُطرح وبقوة، أين الحكومة مما حدث وأين البلدية وقبلهما أين المؤسسات الدولية التي غصت بهم غزة وأين ملايين الدولارات التي تتدفق باسم الشعب الفلسطيني عليهم لا من خلالهم.
مؤسسات دُولية فتح شهيتها حصار ظالم لفترة تزيد عن الست سنوات وحرب ضروس لمدة 22 يوم فأقبلت على غزة بعد أن بارت تجارتها في الصومال والبوسنة وأفغانستان والسودان، حيث نشطت وبقوة مؤسسات إنسانية أميركية وأوروبية ودولية إلى جانب مؤسسات الأمم المتحدة في تقديم الخدمات الإغاثية والتعليمة والصحية والتنموية، زعموا.
وتضاعفت أعداد المكاتب الدولية وموظفيهم في ظاهرة تضخم قال عنها الخبير الأقتصادي عمر شعبان ” وتضخم عدد المؤسسات الدولية العاملة في قطاع غزة بشكل غير مسبوق بعد الحصار و الحرب في محاولة من بعضها للاستفادة من الأزمة الإنسانية التي سبّبها الحصار و الحرب على قطاع غزة، خاصة من قبل مؤسسات تعمل في مجال الإغاثة، ليس لرغبتها في خدمة الفقراء بل من أجل تمويل موظفيها و مكاتبها في العالم، لقد أصبح قطاع غزة مصدراً للوظائف ذات المرتبات الخيالية و لتمويل صناعة الاستشارات والإغاثة الدولية بما يمكن وصفه ” إنهم يشتغلون بالفقراء و ليس للفقراء” .
مؤسسات دولية زاحمت المؤسسات الأهلية وسابقتها على مصادر تمويلها، وركزت جلّ جهودها في توزيع المساعدات الطارئة محولة قطاع عريض من الشعب إلى قطاع من المتواكلين، مدمرين بتدخلهم غير الخاضع لرؤيا إستراتيجية أو دراسة احتياج فلسطينية نسيج مجتمعي ومعطلين بأجندتهم وبرامجهم الخارجية أهم عناصر الموارد الفلسطينية ألا وهو العنصر البشري.
يُضيف عمر شعبان في مقاله “أثبتت الدراسات أن معظم التمويل الدولي يذهب لمصلحة المؤسسات الدولية ذاتها على شكل رواتب, مكافآت ضخمة وفي تمويل مصروفات الترفيه كالسيارات الفخمة وفي استئجار الشقق مرتفعة التكلفة وعلى موائد العشاء في الفنادق الراقية, بحيث لا يتبقى للمجتمع الفلسطيني سوى الفتات. إنّ المجتمع الفلسطيني لا يستفيد بأكثر من 20% من حجم التمويل المخصص، في حين تذهب النسبة الباقية للمؤسسات الدولية ذاتها، فقد نشرت مجلة كريستيان ساينس مونيتور قبل يومين, في سياق الحديث عن إجراء الحكومة المصرية تحقيقا حول تلقي أحزاب سياسية و منظمات مجتمع مدني مصرية أموالا أمريكية أن 85% من مساعدات الديمقراطية لمصر ذهبت لمؤسسات أمريكية أي أن ما تم صرفه في مصر لا يزيد عن 15% “.
إذاً يحق لنا التساؤل، هل الدور الذي تقوم به المؤسسات الدولية مهم؟ صحيح أن الإغاثة مطلوبة وأن الشعب يعتمد عليها في توفير ما يلزمه في ظل الظروف والأوضاع الراهنة التي يحياها ولكن هل يعني ذلك ترك تلك المؤسسات أن تتصرف بحرية ودون رقابة حكومية أو حتى شعبية؟ وهل يحق لأي مؤسسة أن تعمل وفق برامجها وأجندتها وتتجاهل حاجة الناس ومطلبهم.
تؤكد بعض التقارير استلام مؤسسات دولية بغزة مئات ملايين الدولارات، فلمَ غرق وسام وملك؟ لمَ بقيت برك الصرف الصحي دون معالجة؟ ولمَ تبقى أسر فقيرة دون مأوى تفترش الأرض وتلتحف السماء؟ ولمَ يبقى الجرحى وذوي الاحتياجات الخاصة وعددهم فاق ال 35 ألف شخص دون توفير احتياجاتهم؟ ولمَ يوجد لدينا 30 ألف خريج وأكثر من 150 ألف عامل متعطل عن العمل.
أسئلة مطروحة وبقوة في حضرة مدراء المؤسسات الدولية وورش العمل والمؤتمرات التي تخرج بتوصيات ودروس مستفادة وتبقى حبيسة الأدراج ورهينة الأوراق التي كُتبت عليها.
أسئلة يفترض أن تجيبها وزارة الداخلية التي تقدم تصاريح العمل وتصدر تراخيص الفروع الأجنبية، هل عمل هذه المؤسسات ينسجم وفق متطلبات الإستراتيجية الوطنية لعمل المؤسسات الإنسانية وهل توجد مثل هكذا خطة أساساً؟!
وماذا عن التخطيط والتعاون الدولي ودائرة التعاون مع المؤسسات الدولية غير المُفعلة منذ العام 2007، متى سيكون لها دور في رسم سياسة فلسطينية وطنية ووضع أسس وآليات لعمل المؤسسات الدولية؟
ما أعرفه أن وسام وملك غرقا رغم توفر أموال كانت كفيلة لو صُرفت في مستحقها لوفرت لهما مساحات لعب خضراء، فما أُجبرا على اللعب فوق كثبان رملية أسفلها بركة صرف صحي، وما أعرفه أن المؤسسات الدولية تحتاج العمل بغزة أكثر من حاجة غزة لها.
هي دعوة إذاً للمؤسسات الدولية أن تعمل وفق أجندة احتياج أهالي قطاع غزة ووفق إرادتهم ووفق أهدافهم ووفق ما يطلبه الشعب من خلال دراسات ميدانية واقعية لا من خلال دراسات استشارية شكلية تُصرف عليها ملايين الدولارات ويتم إخراجها بشكل لائق ومن ثم لا يستفيد منها المواطن شيء ولا تعبر عن تطلعاته وطموحه، وأن تلتزم دور المراقب المشرف على تمويلها لا دور المنفذ.
وهى دعوة للحكومة، بأن تُفعل دوائرها العاملة ذات الاختصاص بدل إنشاء مسميات ولجان في أماكن متعددة يغيب بينها التنسيق، مما يضعف التنسيق مع تلك المؤسسات الدولية ولا يحقق الغرض المطلوب.
وهى دعوة للحكومة بإغلاق أي مؤسسة دولية تغرد خارج السرب وتقحمنا ببرامج ومشاريع لا تمت لواقعنا بصلة وتجمع الأموال باسم الشعب الفلسطيني وتصرفها دون أن نعلم أين ومتى وكيف ولمن.
وهى دعوة للحكومة بعدم منح تراخيص لأي مؤسسة دولية جديدة، فالمعني بأهالي قطاع غزة يستطيع أن يقدم الخدمة من خلال المؤسسات المحلية ووفق الآليات القديمة التي كان معمول بها سابقاً.
وهى دعوة للمتبرعين من الدول العربية والإسلامية والمنظمات الإسلامية، مفادها أن تأهيل وتنمية المجتمع الفلسطيني ومساعدة المحتاجين فيه يمر عبر بوابة المؤسسات الأهلية فهم من يعرف الناس ويتلمس مطالبهم واحتياجاتهم.
وهى دعوة للمؤسسات المحلية، أن وحدوا صوتكم وتخندقوا خلف مطالب محددة وواضحة وعودوا لممارسة دوركم الريادي في خدمة المجتمع بدل مجاراة المؤسسات الدولية وتغيير أهداف ولوائح مؤسسات لمناسبة أجندة المؤسسات الدولية، عليكم بإستراتيجية ورؤيا وطنية موحدة حينها سيسمع منكم العالم وسيخضع الخارج، فلا مناص أمامه، فما يصل شعبكم لا يتجاوز في أفضل حالاته 50% من أصل الوارد لهم باسمكم.
أخيراً لا يعفي مقالي بلدية خانيونس من التقصير التي وقعت فيه، حتى وإن كان الأمر مناط بوكالة غوث وتشغيل اللاجئين إلاّ أن المسؤولية الأخلاقية والوطنية تحتم علينا التدخل إن تقاعس الآخرون، كان الأولى ببلدية خانيونس أن تتقدم للمؤسسات والجهات المانحة بمشروع معالجة بركة الصرف الصحي بدل مشاريع رصف وإصلاح الطرق.
وعلى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين أن تكف عن التعامل مع الفلسطينيين وكأنها تمن علينا بخدماتها، فلولا قضية فلسطين ما وجدت الوكالة ولما تنعم موظفيها برواتبهم والتسهيلات الممنوحة لهم، وعليها – أي الوكالة – ألا تتصرف وكأنها دولة داخل دولة، ففلسطين تستطيع الصمود دون وكالة غوث وتشغيل اللاجئين ولكن الوكالة لن تستطيع العيش دون فلسطين.
بقلم م. محمد يوسف حسنة
مدونة أسكي جروب
http://ascii-group.blogspot.com/2011/12/blog-post_24.html
http://ascii-group.blogspot.com/2011/12/blog-post_24.html
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق