إن من أكبر النعم أن يعيش المرء
سليماً في بدنه معافاً في صحته، وأن يحيا في سلامة من الأمراض التي انتشرت في هذا
الزمن. والإنسان بطبيعته لا يحب أن يعلم الناس بمرضه، ويحاول إخفاء كل علامة تدل
على أنه مريض. ولكني تأملت في أحوال بعض الناس، فعلمت أنهم قد أصيبوا بأمراض ولكن
الناس لا يرونها، ولا تظهر للطبيب في المستشفيات، ولا يستطيع الصيدلي أن يصف لك
علاجها. إنها أمراض خفية، لا تظهر على الوجه، ولا على الجلد، ولا تسبب الصداع أو
السرطان. إنها أمراض سكنت في قلوب بعض الرجال والنساء، واستقرت، وبدأت تتغلل في
الجسد.
لعلك تتسائل وتقول: وما هي هذه
الأمراض؟ أريد معرفتها؟ وما هي حقيقتها؟
قال زيد بن أسلم: "دخلنا على أبي
دجانة وهو مريض، ووجهه يتهلل فقيل له: ما لوجهك يتهلل؟، فقال: ما من عمل أوثق عندي
من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، وكان قلبي للمسلمين سليمًا".
لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب
ولا ينال العلا من طبعه الغضب. فوصيتي إليك طهر قلبك بماء السلامة، والبس ثياب الحب،
واركب قافلة العفو، لتصل إلى دار السلام.
ومن أمراض القلوب
البغضاء
إن البغضاء داء مهلك، وسرطان
القلوب، وصاحبه يتقلب في أودية الهموم. لا يعرف للنوم طعماً، ولا للحياة معنى،
حياته مليئة بالكراهية للآخرين، فالموت أجمل له من الحياة. إنه يحمل في قلبه أثقالاً
من البغضاء لعباد الله، فهو يكره الصالحين ويكره من يلتزم بالدين، ولا يحب رؤيتهم.
ولعله يبغض بعضاً من شعائر الدين، فهو يبغض الحجاب الشرعي ويتمنى لو أن له سلطة أن
يزيله من الوجود. ويكره ويبغض بعض العلماء أو الدعاة الصادقين فيا عجبا له. إنه
يبغض من يتفوق عليه في الدنيا، ويكره النعم التي تنزل بغيره ويتحسر على أي خير
يناله فلان. والله إنه يعذب نفسه ولكنة لا يشعر بهذا العذاب.
ومنها مرض الكبر
إنه مرض ينتشر عندما يغفل الإنسان
عن معرفته بنفسه الضعيفة ويرى أنه فوق الناس، وأنه أفضل منهم. إن الكبر من صفات
الرب تبارك وتعالى ومن أسماءه تبارك وتعالى "المتكبر" والإنسان عندما يتخلق بهذا
الخلق فقد تعرض للوعيد الشديد: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» [رواه
مسلم]. وقال الحكماء: "إن المتكبر كأنه على جبل يرى الناس صغار، وينسى أنهم أيضاً
يرونه صغيراً". ما أسوأ حالته وحياته، كيف لا والناس يكرهونه ويبغضونه فكيف يجد
للحياة معنى؟ والذي يجالسه هو أول من يكرهه.
إن هناك من يتكبر على دينه وشريعة
ربه فهو يتكبر على أن يسجد لله أو يؤدي واجباً أوجبه الله عليه. وقد يتكبر على
الحقوق فيرفض النصيحة ويستمر على الباطل الذي يهواه فهو كما قال تعالى: {وَإِذَا
تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ
فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [سورة لقمان: 7]. لقد نصحه
الناصحون ولكنه لا يستجيب استكباراً: {يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ
ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}
[سورة الجاثية: 8]. إنها صفة المنافقين كما قال تعالى: {لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ
وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} [سورة المنافقون: 5].
-
«لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» [رواه مسلم].
-
«ألا أخبركم بأهل النار؟ كل عتل جواظ مستكبر» [رواه البخاري].
-
«بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل جمته، إذا خسف الله به، فهو يتجلجل إلى يوم القيامة» [رواه البخاري].
فيا أيها المتكبر أرفق بنفسك قليلاً
وهذا الشاعر يتعجب ويقول:
عجبت من معجب بصورته
* وكان بالأمس نطفة مذرة
وفي غدٍ بعد حسن صورته
* يصير في اللحد جيفة قذرة
وهو على تيهه ونـخوته
* ما بين ثوبيه يحمل العذرة
فرسالتي إليك:
كن متواضعاً
لربك وللناس، وامش على طريقة الحبيب صلى الله علية وسلم الذي كان سيد المتواضعين،
وكن على يقين أن تواضعك هو طريق إلى العزة والرفعة عند الله وعند الناس، فقد ثبت في
الحديث: «وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله» [الراوي: أبو هريرة المحدث: الألباني -
المصدر: صحيح الجامع - الصفحة أو الرقم: 5809- خلاصة الدرجة: صحيح]
يا أخانا: اعرف قدر نفسك، فأنت لا شيء لولا فضل الله عليك: {وَكَانَ فَضْلُ
اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً} [النساء: 113].
ومنها: مرض الحسد
-
دخل علينا الحسد في مدارسنا، فهذا طالب يحسد صاحبه لأنه متفوق علية في دراسته.
-
ودخل الحسد علينا في وظائفنا، فهذا الموظف يحسد صديقه لأنه على مرتبة أحسن منه.
-
ودخل الحسد حتى بين الصالحين والدعاة والعلماء حتى أغرى الشيطان بينهم وأدخلهم في متاهات عظيمة.
عن الزبير بن العوام رضي الله عنه
قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد
والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة، أما إني لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين» [الراوي:
عبدالله بن الزبير المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم:
2888- خلاصة الدرجة: حسن لغيره].
-
ودخل الحسد بين أصحاب الأموال فتحاسدوا وتباغضوا،
-
ودخل الحسد بين النساء، فهذه تحسد جارتها لأن زوجها يحبها أو لأنهم يتفوقون عليهم مادياً. ولعلها تحسدها لأنها أجمل منها أو أحسن منها في عمل المنزل، ونحو ذلك.
فعجباً من الحسد وعجباً لأهله. إن
الحسد نار في قلب الحاسد، لا تنطفئ إلا بزوال النعمة عن المحسود، والحاسد عدو للنعم
التي يمنحها الله لمن يشاء من عباده.
وقيل الحسد جرح لا يبرأ.
ما رأيت ظالماً أشبه بمظلوم من
الحسود، هم لازم، وقلب هائم.
إني لأرحم حاسدي من حر ما
* ضمت صدورهم من الأوغاد
نظروا صنيع الله بي فعيونهم
* في جنة وقلوبهم في النار
والحسد له أسباب
فمنها:
-
بغض المحسود والكراهية له.
-
ضعف الإيمان وقلة التقوى لدى الحاسد.
-
عدم الرضا بقضاء الله وقدره ، لأن الله هو الذي يعطي من يشاء ويمنع من يشاء {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ} [سورة النساء: 54].
وهذه رسائل إلى
المحسود:
-
تقوى الله ، فمن حفظ الله حفظه الله.
-
الاستعاذة بالله من شره ، كما قال تعالى: {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [سورة الفلق: 5].
-
التوكل على الله وعدم الالتفات إلى كيد الحاسد.
-
الصدق والإحسان إلى الناس ، فإن لذلك تأثير عجيباً في دفع شر الحاسد.
-
الإحسان إلى الحاسد ومقابلته بالحسنى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [سورة فصلت: 34].
-
فرغ قلبك من التفكير فيه، ولا تبال به.
طهر قلبك وسريرتك من نار الحسد،
وكن راضياً بما قسمه الله لك وكن محباً لغيرك، تفرح لأخيك عندما تنزل عليه نعمة
وتحزن له عندما تحل به مصيبة. إنها القلوب النقية التقية،
قلوب بيضاء، تحب الخير للجميع، قلوب سليمة ستنجو يوم القيامة: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ
مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [سورة
الشعراء: 87-88].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق