سوف أطرح تساؤلاتى التى
يضيق بها صدرى لعلى أجد لديك صدى واستجابة
هل حياة المرأة هى فعلا
زوجها وأولادها؟ أم لها حياة تختبئ تحت كل تلك الالتزامات والواجبات التى لا تنتهى؟
حياة خافتة خجولة تتراءى لها حين تنظر إلى التجاعيد المبكرة على وجهها، تتراءى لها
حين تستمع لقصة امرأة ما أكثر منها سعادة، تتراءى لها حين يبدأ الصمت يغلف وجودها
ويغلق كل من أولادها الباب خلفه ليبدأ حياة جديدة بعيدًا عنها، تتراءى لها حين تنظر
إلى زوجها الذى يبدو غريبًا عنها فى لحظات ما من حياتها.
فى زمن لا ينتهى كنت
أستيقظ صباحًا لألبى كل طلبات أولادى وزوجى وهأنذا ألبى طلبات زوجى فقط لأن أولادى
أصبحت لديهم بيوتهم المستقلة، لسنوات كثيرة كنت أحب هذا الدور ويشعرنى بقيمتى
العالية عند زوجى ولكن الآن أصبح هذا الدور يرهق روحى لأننى أدرك الآن أن قيمتى
لديه تكمن بكونى زوجته وأم أولاده لا كامرأة، بل أكاد أشعر أننى لم يعد لى وجود فى
حياته كامرأة وربما لم يكن لى هذا الوجود أبدًا، الآن فقط أفهم بعد أن بلغت الثالثة
والخمسين من عمرى أنظر حولى فأجد النساء فى مثل عمرى إما مكتئبة محبطة أو تعيش فقط
من أجل أولادها، فأين حصاد العمر مع الزوج الذى أفنت زهرة شبابها معه؟
الزوج إما أنه لا يبالى
بها وينصرف تمامًا لعمله وأصدقائه وكأنه امتص الليمونة ثم رمى قشرتها على طول
ذراعه، أو أنه يفكر فى زواج جديد هذا إذا لم يكن قد تزوج بالفعل من شابة جميلة تليق
بمكانته الجديدة بعد أن أحال زوجته الأولى للمعاش المبكر.
لماذا تسمع الزوجة
تعليقات من مثل (لقد زاد وزنك) و(لم تعودى صغيرة) (أنا
مدعو لمكان لا يناسبك) و(أنت هنا فى البيت ولا تعرفين ماذا يحدث فى
الخارج).
الزوجة التى كانت يومًا
ما وردة متفتحة جميلة وشابة ومتفوقة فى دراستها ونجحت فى الحصول على شهادة ربما
أعلى من زوجها وعاشت فى كنف أسرتها معززة مكرمة ثم اتفقت مع زوجها بناءً على رغبته
وإلحاحه على أن تظل فى البيت لمتابعة شئونه ويكفى أن يعمل هو والخير كثير وأنت
حبيبتى وأم أولادى وأساس بيتى وغير ذلك من الكلام المعسول الذى لا يلبث أن يتراجع
لتفاجأ بأنها خسرت فى النهاية كل شىء، عملها وطموحها ثم زوجها الذى يعاملها كمدبرة
منزل.
لماذا يشعرها الزوج أنها
تكبر وهو لا يكبر وأن شبابها يذهب وهو لا، وأن قيمتها تقل وهو فى ازدياد، وأنه ما
زال فتى أحلامها فى حين صارت هى زوجة خارج نطاق الخدمة؟.
الرد
سوف أبدأ ردى بالتساؤلات
أيضًا، فالأسئلة هى بوابة المعرفة ووسيلة اكتشاف أجزاء خفية من أنفسنا تتضح مع
تسليط الضوء عليها:
لماذا لم تعانىِ جداتنا
من هذه المشاعر؟ ولماذا تبدو مسحة من الإحباط على وجوه كثير من النساء فى هذه السن؟
فهى تشعر أن عمرها سرق منها دون أن تشعر، أو أنها كان من الممكن أن تنال حظوظًا
أكثر مما نالت، ولماذا تشعر أن عطاءها لزوجها وبيتها تحديدًا ذهب هباءً؟ تشعر أنها
رغم تعليمها ومهارتها وشخصيتها عاشت مجرد ظل لزوجها بلا كيان مستقل، منحته كل حبها
وعطائها وها هو لا يقدر ذلك ولا يقدرها هى بشكل خاص.
إنها مشاعر (سن اليأس)
أو (أزمة منتصف العمر) حين ينتهى الانشغال الكامل بدور الزوجة الشابة والأم التى
تربى وتعلم وتوجه وفجأة يخلو البيت وتستيقظ المرأة على حقائق جديدة.
الزوجة المتفرغة ليست
مجرد ظل لزوجها بل هى التى تمد ظلها ورعايتها على البيت كله، وهى ربة البيت وأساسه
إنها فعلا (ست البيت) الفارق بين جيلنا وجداتنا أننا تعلمنا ودخلنا الجامعة وتسربت
لنفوسنا الكثير من مفاهيم عصرنا القائمة على الاستقلالية المطلقة للمرأة، كانت
جداتنا أسعد حالاً ليس فقط لوضوح الدور والرضا به ولكن لأنها كانت تعرف كيف تظل
مصدرًا للعطاء فى كل مراحل حياتها وكيف تتطور شخصيتها وعلاقاتها ببراعة شديدة،
دائمًا محاطة بالناس ودائمًا مشغولة بالنافع المفيد، إن أبسط تعريفات السعادة أن
تكون دائما مشغولاً بعمل وأن لا تكون وحيدًا أبدًا، ولأن نمط حياتنا المعاصر يحبسنا
داخل بيوتنا وداخل أسرتنا الخاصة فقط فإن انتهاء مرحلة الانشغال الكامل بذلك الإطار
يعطى الفرصة للوحدة والتفكير السلبى.
الأمر الثانى هو مفهوم
الحب وثباته على معانى الإعجاب والانبهار كما كان فى بداية الزواج، الحب لا يختفى
ولكنه يتطور ويتخذ أشكالاً أخرى، وليس من مصلحتك تثبيته على المفهوم الحسى والشكلى
فمهما فعلت لن تقاومى الزمن
ولن تنافسى الصغيرات، ولذلك على المرأة أن تعمل
على تطوير نظرتها للحياة منذ سن مبكرة وإدخال أنشطة جديدة فى دائرة اهتمامها.
إن الفتاة تدخل فى سن
العشرين فرحة متلهفة من بوابة الأنوثة ولكنها بعد الخمسين تتلكأ كثيرًا حين تجد
نفسها وصلت لباب الخروج من عالم الأنوثة ودنيا الشباب والجمال.
لقد انطبعت فى وجدانها
صورتها كامرأة شابة وكأنها لن تصل لأعتاب الخريف ولن تصبها الشيخوخة قط، ورغم
التغيرات الجسدية الإجبارية والتى لا مفر منها إلا أن الروح تظل متشبثة بالشباب،
ذلك لأنها لم تستعد لتلك المرحلة ولم تطور أدواتها فى مواجهة الحياة ومعاملة الزوج
والناس بل ظلت معتمدة على أسلحتها التقليدية من الجمال والشباب والأنوثة وفجأة تشعر
أن كل أسلحتها قد سحبت منها أو لم تعد لها جدوى وتكتشف إن تلوين الشعر لا يعنى أنه
لم يصبه الشيب وإن ممارسة الرياضة لا تعنى أن الخطوة صارت ضيقة (قال ربى إنى وهن
العظم منى واشتعل الرأس شيبا ولم أك بدعائك رب شقيا) الاعتراف بحقيقة المرحلة التى
ندخلها هو الخطوة الأولى ثم العمل على التكيف عليها وهذا لا يعنى الاستسلام لليأس
وترك التجمل ولكن معناه التجمل بما يناسب المرحلة العمرية والشعور بدفقة أمل جديدة
للبدء فى تلك المرحلة بشخصية متطورة ناضجة، تطوير شخصيتك مسئوليتك وحدك، واعتمادك
على أسلحة الأنوثة فقط خطأ كبير، فقد أثبتت دراسات حديثة أن الرجل يعجب كثيرًا
بذكاء المرأة وعقلها ومهارتها وشخصيتها ويزداد اهتمامه بتلك الجوانب كلما تقدم به
العمر، قاومى إحساسك بأزمة منتصف العمر بإيجاد مساحة لاهتمامات جديدة فى حياتك تضيف
إليك رونقًا مختلفًا وتوسع الدائرة من حولك ووقتها سوف تجتذبين زوجك وتشعرين
بالإشباع الذاتى والثراء الداخلى.
لكل سن جماله ومجالات
نشاطه وعندما تبلغين الخمسين فقد صعدت ربوة العمر ووصلت لقمتها انظرى من أعلى
واكتشفى مساحات جديدة للجمال والعطاء من حولك ومعانى عميقة للحياة لا تتاح إلا
للكبار فقط.
كتبت:
الأستاذة إيمان القدوسى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق