إن تعثر انجاز ملف المصالحة لم يكن سوى مرحلة مخاض لما هو آت. فقطبي الخلاف الفلسطيني- الفلسطيني؛ هما نموذجان لمحاولات فلسطينية واجتهادات لمحاولة التحرر من المحتل ، ولكن بأساليب متباينة. وقد كان التعامل مع الأمر الواقع والصراع مع المحتل هو محور الخلاف الأساسي بين هذين الطرفيين الفلسطينيين اللذين أرهقانا بخلافتهم.... ولكن... " وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ".
في عام 1999، ومع انتهاء الخمس سنوات مدة المرحلة الانتقالية في اتفاق أوسلو، دأب الشهيد أبو عمار على التهديد مرارا وتكرارا بإعلان الدولة الفلسطينية ، ولكن في كل مرة كان يصطدم بتعنت الإدارة الأمريكية ، و تزيد من أمامه الصعوبات والتحديات، حتى وصل الوضع إلى الانفجار واندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.
ورغم ذلك بقيت منظمة التحرير الفلسطينية تدعم في خيار الحل السلمي، وكان في أثناء أوج الانتفاضة يوجد الكثير من اللقاءات و العديد من الاتفاقيات وبرعاية دولية وعربية.... واستمرت حتى خرج المفاوض الفلسطيني قبل شهور قليلة ليعلن علينا وعلى الناس أن حصاد السنين من المفاوضات السابقة مع المحتل قد أفضى إلى صفر كبير؛ ولذا قررت القيادة تغيير قواعد اللعبة والتوجه للأمم المتحدة.
لقد جرب الفلسطينيون في مرحلة الانقسام وما سبقها نموذجين لمشروعين بارزين (فتح وحماس) لإدارة الصراع مع المحتل في ظل سلطة الحكم الذاتي...فجربنا المفاوضات، وجربنا المقاومة بدون مفاوضات.... ثم جربنا المقاومة مع البناء ثم تجرعنا تجربة الانقسام ... وتفرقنا شيعا على موائد اللئام .... حتى وصلنا للحظة الحسم الحقيقية والسؤال الكبير لما بعد المصالحة الوطنية :
لقد كانت بداية معظم الفصائل الفلسطينية العاملة على الساحة هي بالكفاح المسلح، حتى ضغط العالم وعلى رأسه أمريكا والأوروبيين لتجربة الخيار السلمي .... ولم تنقطع ضغوطاتهم ومحاولاتهم ... فحتى يومنا هذا يرسلون مبعوثيهم لأطراف عديدة من أطياف المقاومة الفلسطينية ليقنعوهم بتجربة الحل السلمي ودخول المؤسسات المترتبة على اتفاقيات الحل السلمي.
وقد مشينا كفلسطينيين في هذا الركب ، فدخلت منظمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسها فتح في مفاوضات واتفاقيات ومعاهدات دولية لعلنا نصل إلى حقنا في تقرير مصيرنا ... ودخلت حماس تجربة السلطة وبإشراف وشغف دولي.
إن وقوف الولايات المتحدة الأمريكية ضد حقوقنا كفلسطينيين في المحافل الدولية واستخدامها "الفيتو" ضد حقنا في تقرير مصيرنا ، سيعني طلقة الرحمة على أي الخيار السلمي الذي تبنته منظمة التحرير الفلسطينية منذ أواخر الثمانينيات وحتى يومنا هذا.
وإذا كان ذلك، فان هذا سيؤدي، وبلا أدني شك، إلى انهيار كل ما تم بناؤه على أساس أوسلو وعلى أساس الحل السلمي ... ولن يعد بعدها يجدي ترقيع البالي أو إعادة الإعمار فيما قد أكله الخراب والدمار.
لا شك أن المصالحة الفلسطينية ستضع كل طرف فلسطيني عند مسؤولياته وتلزمه بمراجعة برنامجه الكفاحي والتحرري بأسلوب وطني عالي ومتحضر، بعيدا عن لهجة القدح والذم أو التخوين.
وهذا ما فهمه المحتل جيدا ... ولذا فهو يعلن وبشكل هستيري رفضه للمصالحة؛ لأنه يعلم أن صيفه فيها سيكون مليء بالحرائق.
إما الحرية وإما الثورة ... إما العودة وإما الثورة ... إما القدس وإما الثورة ... إما الدولة وإما الثورة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق