قابلت مرة في أحد ممرات الكلية زميلي الأستاذ المسؤول عن التنسيق بين مختلف الشعب للمادة التي كنت أدرسها ، وقلت له : طلبتَ منا أن نعمل كذا وكذا ، وأنا أرى خلاف ذلك ، فهلاّ درسنا الموضوع في اجتماعنا القادم. فأجاب في هدوء شديد : لا بأس. فتركته وأنا منزعج من أسلوبه الجاف ، حيث غابت عن محياه بسمته المعهودة. ورحت أفكر : هل تراني أخطأت في شيء؟. وما إن وصلت إلى لوحة الإعلانات حتى قرأت رسالة نعي كتبها بعض الزملاء ينعون فيها وفاة أخيه! فهرولت إليه أعزيه وأعتذر عن الحديث معه في موضوع ليس ذا أولوية في تلك اللحظة.
وكثيراً ما يتردد على مسامعنا قصة ستيفن كوفي ، الاسم المشهور في مجال التنمية البشرية ، وهو في قطار الأنفاق بمدينة نيويورك ، حيث كان الركاب جالسين في سكينة ، بعضهم يقرأ الصحف ، وبعضهم مستغرق بالتفكير ، وآخرون في حالة استرخاء , والجو مفعم بالهدوء. وفجأة صعد رجل بصحبة أطفاله الذين سرعان ما ملأ ضجيجهم عربة القطار. في حين جلس الرجل وأغلق عينيه غافلاً عن الموقف كله. يقول كوفي : لم أصدق أن يكون الرجل على هذا القدر من التبلد ، لا يفعل شيئاً وأولاده يزعجون الناس ، فالتفتُّ إليه وقلت : أطفالك يسببون إزعاجاً للناس! ففتح عينيه ، كما لو كان يعي الموقف لأول مرة وقال : إنك على حق! لقد قدمنا لتوِّنا من المستشفى حيث لفظت والدتهم أنفاسها الأخيرة ، وأنا عاجز عن التفكير ، وأظن أنهم لا يدرون كيف يواجهون الموقف! يقول كوفي : فجأة امتلأ قلبي بآلام الرجل وتدفقت مشاعر التعاطف والتراحم دون قيود وتغير كل شيء في لحظة.
أما القصة التي وصلتني اليوم بالبريد الإلكتروني فتقول : دخل الطبيب الجراح المستشفى بعد أن تم استدعاؤه لإجراء عملية فورية لأحد المرضى ، وقبل أن يدخل غرفة العمليات واجهه والد المريض وصرخ في وجهه : لم التأخر؟ إن حياة ابني في خطر؟ أليس لديك إحساس ؟ فابتسم الطبيب ابتسامة فاترة وقال : أرجو أن تهدأ وتدعني أقوم بعملي ، وكن على ثقة أن ابنك في رعاية الله. فرد الأب : ما أبردك يا أخي! لو كانت حياة ابنك على المحك هل كنت ستهدأ؟ ما أسهل موعظة الآخرين؟.
تركه الطبيب ودخل غرفة العمليات ، ثم خرج بعد ساعتين على عجل وقال لوالد المريض: لقد نجحت العملية ، والحمد لله ، وابنك بخير ، واعذرني فأنا على موعد آخر. ثم غادر دون أن يحاول سماع أي سؤال من والد المريض.
ولما خرجت الممرضة سألها الأب: ما بال هذا الطبيب المغرور؟ فقالت: لقد توفي ولده في حادث سيارة ، ومع ذلك فقد لبى الاستدعاء عندما علم بالحالة الحرجة لولدك! وبعد أن أنقذ حياة ولدك كان عليه أن يسرع ليحضر دفن ولده!.
مدونة أسكي جروب
هناك تعليقان (2):
فعلآ .. ظاهر الأمرو ليس دومآ كباطنه ..
لايشعر بالألم سوى صاحبه
فطوبى لمن كظم غيضه وأخفى ألمه
حقا - لطالما مرننا فى يومنا العادى بمواقف مشابهه لهذه المواقف - فى الزحام وانت تقود سيارتك وانت تتعامل مع موظف فى هيئة أو جهة عامة كانت او خاصة وغيرها من المواقف الاخرى - هناك مواقف عديدة تحتم فعلا علينا التماس العذر للاخرين - فبالفعل معرفة السبب تخفى او تمحو العجب
إرسال تعليق