تحلّق 'الزنانة' في أجواء غزّة كشبح يعيش من القتل ولأجله. يصدح صوتها في أذهان الغزيّين. يكاد هذا الصوت يفجر أجسادهم المحاصرة لشدة قوّته. هي بمثابة نذير شؤم. ظهورها في سماء القطاع له معنى واحد، القتل، وخصوصاً أنها تملك قدرة هائلة على ضرب أهداف موضعية. تمثّل خطراً يفوق بكثير الطيران الحربي والمروحيات، لقدرتها الفائقة على الظهور المفاجئ.
يُعدّ تحليقها خبراً عاجلاً في الإذاعات المحلية، التي تسارع إلى تنبيه المقاومين وكل السكان لأخذ الحيطة والحذر. تقلق النساء والأطفال. تشبه ملك الموت الذي يأخذ الأرواح من دون سابق إنذار. 'الزنانة' تقتل حين يقرر أسيادها الإسرائيليون أنّ الوقت قد حان. لا تكاد الطائرة تُرى بالعين المجردة. لكنّ أزيزها يصيب الفلسطينيين بالصداع ويقضّ مضاجعهم في الليل والنهار. طائرة الاستطلاع الإسرائيلية أو 'الزنانة' كما يطلق عليها سكان قطاع غزة، لما تصدره من أصوات مثيرة ومزعجة، لا تفارق أجواء القطاع. تتلصّص على الغزيين على مدار الساعة، وتتربص بهم كحيوان مفترس يبحث عن فريسة.
ظهور 'الزنانة' في سماء غزة، أو سماع صوتها المثير للإزعاج، يمثل بالنسبة إلى السكان نذير شؤم، منذ كشفت دولة الاحتلال الإسرائيلي قبل بضعة أعوام عن تطوير هذه الطائرة الصغيرة التي كانت مهمّتها تقتصر على المراقبة، وتحويلها إلى طائرة مقاتلة تمتلك قدرة فائقة على ضرب 'أهداف موضعية'. واستخدمت دولة الاحتلال طائرة الاستطلاع منذ اندلاع انتفاضة الأقصى في أيلول عام 2000، لأغراض المراقبة ورصد تحركات عناصر المقاومة، قبل أن تزوّدها بصاروخين موجّهين لهما القدرة على ضرب الهدف بدقة عالية. ومثلما تمثّل 'الزنانة' خطراً داهماً على المقاومين، فإنها تنغّص على باقي سكان غزة من المدنيين حياتهم فقد اعتاد كل الغزيين، حتى ربات المنازل والأطفال، معرفة تحليق هذه الطائرة في أجواء القطاع، بتأثيرها في الصحون اللاقطة وتشويش المحطات الفضائية.
ويقول الدكتور ايهاب الدالي ظهور 'الزنانة' في سماء غزة، أو سماع صوتها المثير للإزعاج، يمثل بالنسبة إلى السكان نذير شؤم ، فعند ظهورها بسماء غزة تختفي شاشات التلفاز وينقطع البث ، ويصبح رنينها يدوي برؤوسنا حتي يسبب لنا الصداع المرير ويذهب النوم من عيوننا ونصبح نترقب صوتها وهي تحلق بكثافة في السماء بخوف وحظر فأطفالنا يريدون النوم ولكنها تأبه إلا إن تسرق منا النوم والتفكير والأرواح. وأما المهندسة عزة العجلة أعربت عن خوفها وقلقها عند سماعها صوت "الزنانة" ولكنها سرعان ما تتماسك وتبدأ بالدعاء للفلسطينيين بالسلامة والعون والتوفيق لهم. وكما قالت المواطنة أم محمد: 'عندما تحلّق الزنانة في سماء غزة، يتحول التلفزيون إلى صندوق لا قيمة له، بسبب قدرتها على تشويش المحطات الفضائية'. وتشير إلى أن زوجها اشترى شبكة استقبال 'بدائية' لالتقاط المحطات الأرضية، لكون هذه المحطات لا تتأثر بالإشعاعات والذبذبات المنبعثة من الزنانة. كما قال المواطن رمضان ارشي الزنانة هي اخطر من الطائرات الحربية الاخري ووجودها في السماء غزة يشكل خطر كبير علي قادة الفصائل الفلسطينية والمقاومين ويستخدمها الاحتلال الإسرائيلي في الكشف عن المواقع المراد قصفها. وأضاف ارشي انه في الوقت الحالي لم يظهر الضجيج بشكل كبير لذلك لا تؤثر علي سكان القطاع كثيرا ، أما في حال ظهورها كما ظهرت خلال الحرب الأخيرة علي غزة فإنها تؤثر علي السكان بشكل كبير وتحدث رعب وضجيج مستمر عند الأهالي . ومن جانبه أعربت المواطنة سمر ماجد عن القلق الشديد بمجرد تحليق الزنانة في أجواء غزة، حيث إنها 'تدفع إلى الترقب وتوقع عمليات قصف إسرائيلية، فقد ارتبط تحليق طائرات الزنانة بتصعيد'. وأضافت بأن وجود طائرة الاستطلاع بسماء غزة يدب الخوف والرعب عند الأطفال والكبار ويسبب لهم صداع مؤلم بسبب رنينها المزعج جدا.
وتعتبر هذه الطائرة، وهي صغيرة الحجم، متعددة الأغراض، وهناك عدة أنواع منها يستخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي، ومعظمها من إنتاج صناعاته العسكرية، أو من إنتاج دول أجنبية، لكن إسرائيل قامت بتطويرها وإدخال إضافات عليها. وتعد إسرائيل رائدة في صناعة وتطوير الطائرات بلا طيار، التي تمتلك تقنيات عالية وقدرة على شن هجمات جوية بصواريخ مختلفة الأنواع والأحجام، وتعد سلاحها الرئيس في العدوان على القطاع، خاصة وأنه يمكن للطائرة المذكورة رصد كل شيء من ارتفاع شاهق، بدءا من سيارة تتحرك بين نقطتين، وانتهاء بالتمييز بين شخص يحمل سلاحا وبين راعي أغنام يحمل عصا بيده، لأنها مزودة أيضًا بمنظومة اتصال عبر الأقمار الصناعية، ما يتيح الاستغناء عن الاتصال البصري المباشر بين الطائرة وقاعدة إطلاقها. وكانت مصادر عسكرية إسرائيلية قالت إنها أقلعت عن استخدام الطائرات المروحية في تنفيذ عمليات الاغتيال، نظرا لصوتها الهادر الذي يجعل المرشحين للتصفية يسرعون للاختفاء بمجرد سماع صوتها، في حين أن طائرات الاستطلاع تتسم بقدرتها على التسلل إلى الأجواء دون أن تحدث أصواتا كبيرة.
وقد اعتمدت قوات الاحتلال اعتماداً رئيسيّاً على طائرات الاستطلاع خلال 22 يوماً من الحرب الأخيرة ضد غزة. ووفقاً لتوثيق مؤسسات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية، فإن الغارات التي نفّذتها طائرات الزنانة تقف وراء استشهاد عشرات الفلسطينيين، بينهم مقاومون وأطفال ونساء. وأضافت إن خطورتها 'تكمن أيضاً في بطاريتها التي تؤهّلها للتحليق لساعات طويلة قد تصل إلى يومين من دون الاضطرار إلى الهبوط والتزود بالوقود، وامتلاكها جهاز مراقبة شديد الدقة قادراً على الرصد في الليل والنهار'.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق