الحمد لله رب العالمين ، والصلاة
والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما
علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم
علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا
اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون
أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
من حقوق الأبناء على آبائهم أن
يُؤدَّب بالأدب الإسلامي ، كل دينٍ ، أو كل مذهبٍ ، أو كل مبدأٍ ، أو أية
حضارةٍ هي مجموعة أفكار ، ومجموعة قيَم ،
ومجموعة أخلاقيات ، وقد يعبَّر عنها بالأدبيات ، الإسلام له أفكاره ، وله قيمه ،
وله آدابه. هناك آداب الاستماع ، آداب الحديث ، آداب الطريق ، آداب طلب العلم ،
آداب تلقين العلم ، هناك آداب الزوج مع زوجته ، آداب الزوجة مع زوجها ، آداب الجار
مع جاره ، في الإسلام بعامة وفي السُنَّة المطَّهرة بخاصة موضوعٌ كبيرٌ ويحتل
مساحةً كبيرةً إنه موضوع الآداب.
فالابن فضلاً عن أن الأب مُلزم عن
أن يعلِّمه مبادئ
الإسلام ، وأن يعلِّمه قيم الإسلام عليه
أن يؤدِّبه بأدب الإسلام.
ومرَّةً ثانية أوضِّح حقيقةً
دقيقةً جداً هي أن الأب دوره كدور الطبيب عليه أن يبذل قُصارى جهده ، أما أن يكون
تحقيق النجاح محاسباً عليه فهذا شيءٌ فوق طاقته ، لأن الله عزَّ وجل خاطب النبي
عليه الصلاة والسلام وهو سيِّد المُربين ، وإمام المعلِّمين ، وسيِّد العلماء ،
وسيد الأتقياء ، وأخشع خلق الله قال : ﴿لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ
اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ (سورة البقرة : من آية " 272 ") ، ﴿وَمَا أَنَا
عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾ (سورة
هود) ، ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ
مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ﴾ (سورة الغاشية).
سيدنا نوح عليه وعلى نبيِّنا أفضل
الصلاة والسلام كان من أنبياء الله عزَّ وجل ، ومع ذلك لم يتمكَّن أن يلقِّن العلم
الشريف لابنه الذي هو من صُلبه ، أقول هذا الكلام لأن موقف الأب يجب أن يكون دقيقاً
جداً ، لو أنه أهمل فهو محاسبٌ على إهماله ، لو أنه عجز عن تحقيق الهدف الذي أراده
الله من الإنسان في ابنه نقول له : إن هذا العجز لست محاسباً عليه ، لأن الطبيب
عليه أن يبذل قُصارى جهده وليس عليه ضمان
الشفاء ، هذه حقيقةٌ مسلَّمٌ بها لا تقبل
الأخذ والرد.
فعلى الأب أن يؤدَّب ابنه بالآداب
الإسلاميَّة ، ولكن وهذه كلمةٌ صريحة : ما دور الكلام في نقل الآداب؟ ما دور الكلام
في نقل القيَم؟ إن دور الكلام دورٌ ضئيلٌ جداً ، محدودٌ جداً ، ولكن يكفي أن
يتأدَّب الأب بالأدب الإسلامي ، وأن يكون في بيته
مسلماً صادقاً ، يكفي أن يَصْدُق ليعلِّم
أبناءه الصدق من حيث لا يشعر ولا يشعرون ، لمجرَّد أن يكشف الابن أن الأب يكذب على
أمِّه ، وأن الأم تكذب على الأب ، وأن الأخ يكذب على أخيه هذا اسمه كذبٌ ممارس ،
الواقع فيه كذب ، فالابن يتعلَّم من الواقع أضعاف ما يتعلَّم بالتلقين ، من هنا
قالوا : "لغة العمل أبلغ من لغة القول". المسلمون في أندونيسيا أسلموا لا عن طريق
الدعوة ولكن عن طريق الممارسة ، عن طريق المعاملة.
في موسم الحج الماضي حدَّثني أخٌ
كريم فقال لي : التقيت برجل من أوروبا ، هو في عرفات يدعو ويبكي ، مظهره يُنْبِئُ
عن أنه ليس عربياً ، وليس من بلاد الشرق الأوسط ، فلما سأله عرف أنه من دولةٍ في
قلب أوروبا ، أول سؤالٍ يخطر في باله : كيف
أسلمت؟ أو لماذا أسلمت؟ فكانت الإجابة في
منتهى البساطة :
إن طالباً مسلماً سكن في بيته ، هذا الطالب رآه مثلاً أعلى في الاستقامة ؛ عفَّةٌ ما بعدها عفَّة ، صدقٌ ما بعده صدقٌ ، جديَّةٌ ما بعدها جديَّة ، انضباطٌ ، صلاةٌ ، ذكرٌ ، عبادةٌ ، من حيث لا يشعر هذا الطالب ترك أبلغ تأثيرٍ في هذا الإنسان ، وكان إسلام هذا الرجل على يد هذا الطالب ، وجاء إلى بلاد الحجاز ليؤدي الفريضة.
إن طالباً مسلماً سكن في بيته ، هذا الطالب رآه مثلاً أعلى في الاستقامة ؛ عفَّةٌ ما بعدها عفَّة ، صدقٌ ما بعده صدقٌ ، جديَّةٌ ما بعدها جديَّة ، انضباطٌ ، صلاةٌ ، ذكرٌ ، عبادةٌ ، من حيث لا يشعر هذا الطالب ترك أبلغ تأثيرٍ في هذا الإنسان ، وكان إسلام هذا الرجل على يد هذا الطالب ، وجاء إلى بلاد الحجاز ليؤدي الفريضة.
إذاً هذه كلمة أقولها من القلب :
الإسلام الآن لا يحتاج إلى كلام ، الكلام
ولاسيما في هذا العصر هناك منه طَوَفان ،
أو هناك طُوفان ، أي من الكلام، الكلام ، الكتابات ، المقالات ، الكتب ، التسجيلات
، الخُطَب ، المحاضرات، الندوات بلغت من الكثرة ، والعمق ، والتفنُّن ، والتنوُّع ،
والقدرة على التأثير الحَدَّ الأقصى ، وما لهؤلاء الناس لا يرتدعون ، ولا يؤثِّر
فيهم هذا الكلام؟ لأن لغة العمل أبلغ من لغة القول.
أنا أقول لكم هذه الكلمة : "بدأ
الدين غريباً وسيعود كما بدأ ، فطوبى للغرباء" . الآن لا يؤثِّر في أخيك ، ولا في
جارك ، ولا في زميلك، ولا في صديقك ، ولا في أي إنسان تلتقي به لا يؤثِّر فيه دقة
الفكرة ولا دليلها ، بل يؤثِّر فيه الموقف الإسلامي ؛ أن تكون صادقاً ، أن تكون
منضبطاً ، أن تكون عفيفاً ، أن تكون سَخياً ، أن تضع المادة تحت قدمك من أجل مبدئك،
أن تكون عند وعدك ، عند ما تقول ، فإذا كان هذا هو الطريق الوحيد
لنشر الدين في الأوساط ، فأن يكون الطريق
الوحيد لتلقين أولادك فبادئ الإسلام وقيمه وآدابه من باب أولى.
لذلك قبل أن تقول لأولادك عُدَّ
للألف وللمليون هل أنت في مستوى هذا القول؟ إن دعوتهم إلى الصدق فهل أنت صادق؟ إن
دعوتهم إلى أن يفعلوا كذا وكذا فهل تسبقهم أنت إلى فعل كذا
وكذا؟ هذه الازدواجيَّة في شخصية الإنسان
هي الطامَّة الكبرى في هذا العصر ، هناك شرخٌ كبير بين ما تعتقده ، وبين ما تؤمن به
، وبين ما تدعو إليه ، وبين ما تمارسه في حياتك اليوميَّة ، هذا الشرخ الكبير ، هذه
الهوة الكبيرة فصلت الإسلام عن الحياة.
ما تسمعه في المسجد ، ما تسمعه من
خطيب المسجد كلامٌ طيب مائة في المائة ، ولكن ما تراه في الحياة اليوميَّة شيءٌ آخر
مختلفٌ كل الاختلاف، لذلك الكلمة الفصل ، والكلمة الصادقة ، إذا أردت أن تربي
أبناءك على أي شيء لا تنتظر أن يكونوا كما تريد إن لم تكن أنت كما يريد
الإسلام ، إذا كنت أنت عاجزاً عن أن تكون
صادقاً فأولادك أعجز عن الصدق منك ، إذا كنت أنت عاجزاً عن أن تضبط شهواتك ، يكفي
أن يراك ابنك تستقبل امرأةً لا تحلُّ لك ؛ قريبة ، أو صديقة ، أو ، أو ، ويكفي أن
ينظر إليك وأنت تدير معها حديثاً لطيفاً وأنت تملأ عينيك منها ، أي كلامٍ تقوله
لابنك عن غض البصر ، وعن العفَّة ، وعن وعن كلامٌ لا قيمة له إطلاقاً ، يجب أن يرى
الابن من أبيه الصدق ، العفَّة ، من هنا قال عليه الصلاة والسلام : "الإسلام عفيفٌ
عن المحارم ، الإسلام عفيفٌ عن المطامع".
إذا أردنا أن نوسِّع الدائرة فهذا
ممكن. دعونا من تربية الأبناء ووسِّعوا
الدائرة إلى الدعوة إلى الله ، لن تستطيع أن تؤثِّر في إنسان كائناً من كان إن رأى
هذا الإنسان مسافةً بين أقوالك وأفعالك ، الكلام سهل ، لذلك قال بعض الأدباء : "إن
أكثر الناس يستطيعون الحديث عن المُثُل العُليا ، ولكنهم لا يستطيعون أن يعيشوها".
أي لك أن تقول : هذه حقوق الأم . ولكن البطولة أن تعرف هذه الحقوق وأنت متزوِّج ،
حينما تصطدم أمك مع زوجتك ، تقف مع من؟ تقف مع مبدئك أم مع شهوتك؟ تقف مع مصلحتك
العاجلة أم مع مصلحتك الآجلة؟
لذلك هذه الكلمة لابدَّ منها
تقديماً لهذا الموضوع الدقيق ، أي يا رب كيف أؤدِّب ابني بالأدب
الإسلامي؟ يجب أن تكون أنت مسلماً ، يجب
أن يكون هذا البيت إسلامياً ، يجب ألا تعد وعداً إن لم تكن متأكِّداً من أن توفيه.
الطفل يصدِّق كل ما تقوله له ، لقد وعدته بمكافأةٍ إذا نجح ، وها هو ذا قد نجح أين
المكافأة؟ هو لا يعرف أنك لا تملك مالاً ولكن يعرف أنك وعدته ، أنت أبوه وهو يظن
كما يقولون : "المرأة والطفل الصغير يحسبان الرجل على كل شيءٍ قدير". هكذا تظن
المرأة وابنها في وقتٍ واحد ، فإذا كنت لست متأكِّداً من قدرتك على أن تفي بوعدك
فلا تعد ، أي علِّم ابنك قدسيَّة الكلمة.
أنا ألاحظ ملاحظة هي مشكلة ، على
مستوى الأقارب ، على مستوى الأصحاب ، الأصدقاء ، على مستوى الجيران ، على مستوى
العلاقات اليوميَّة ، تطلب طلباً : والله أنا بحاجة لهذا الشيء . تجد أربعة أو خمسة
اندفعوا اندفاعاً عجيباً لتقديم خدماتهم ، تنتظر يوم الأحد ، والاثنين ، والثلاثاء
، والأربعاء ، بل يمضى أسبوع واثنان وثلاثة ولا تجد استجابةً لهذا الطلب ، فلماذا؟
هذا الذي قال لك : أنا سأفعل هذا . هذا كلام ، أما وعد
الحر دين، أنت ابق صامتاً ، الصامت في
سلام ، والمتكلِّم إما له أو عليه ، أنت إذا كنت لست متأكِّداً من قدرتك على أن تفي
بما وعدت فابقَ صامتاً ، فهذا أشرف موقف تقفه.
يا أيها الرجل المعلِّم غيره هلا
لنفسك كان ذا التعليمُ؟
ابدأ بنفسك فانهها عن غيِّها فإذا
انتهت عنه فأنت حكيمُ
لا تنه عن خُلُقٍ وتأتي مثله عارٌ
عليك إذا فعلت عظيمُ
هذه أبياتٌ بليغة ، والآن يطالعنا
سؤال دقيق: ما هو الفرق الجوهري بين دعوة الأنبياء عليهم صلوات الله وبين دعوة
الدعاة؟ الفرق الجوهري هو أنك لن تجد في حياة النبي أي مسافة بين ما يقول وبين ما
يفعل ، هذا هو ملخَّص الملخَّص ، إذا أردت أن تؤثِّر في الناس فكن في مستوى دعوتك ،
إذا علَّمت الناس السُنَّة طبِّقها قبل أن تعلمهم إياها ، إذا علَّمت الناس أدب
التواضع كن متواضعاً ، إذا علَّمت الإنسان أدب إنكار الذات أنكر ذاتك أولاً، إذا
علَّمت الناس أدب التوكُّل توكَّل أنت قبلهم ، إذا علَّمت الناس أدب السخاء كُن
سخياً قبل أن تعلِّمهم السخاء ، هذا إذا فعلناه رضي الله علينا جميعاً ، لأن النبي
صلى الله عليه وسلم يقول: "إِنَّ اللَّهَ
لا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ وَلا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى
قُلُوبِكُمْ" (من صحبح مسلم : عن "ابي هريرة"). من هنا قال عليه الصلاة والسلام:
"أكرموا أولادكم وأحسنوا أدبهم" (رواه ابن ماجة : عن "ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما").
سبحان الله ! هناك جبلَّةٌ جبلها
الله عزَّ وجل في قلب كل أب ، هذه الجبلَّة هي الحرص على أولاده ، ولكن المشكلة أنك
تحرص على أولادك من زاوية نظرك ، من وجهة نظرك ، فالأب الذي لا يعرف الله عزَّ وجل
يحرص على مستقبل أولاده وفق تخطيطه هو ، هذا الذي يسميه الناس ضالٌ مُضل ، يحب أن
يكون أولاده أحراراً في أعمالهم ، وفي حركاتهم ، وفي سكناتهم ، ولا يتأثَّر كثيراً
إذا رأى انحرافاً لابدَّ من أن يكون ابنه كذا وكذا ، لذلك تعلُّم
الأب فرض عينٍ قبل أن يُعَلِّم ، الأبوَّة
مسؤوليَّة. فكل إنسان يتزوَّج ينجب أولاداً ، هذا في مقدور أي إنسان ؛ جاهل ، عالم
، عظيم ، تافه، أخلاقي ، لا أخلاقي ، أمر واضح كائن مع كائن ينجبان مولوداً ، ولكن
الأبوَّة في الإسلام مسؤوليةً قبل أن تكون مُتعة ، مسؤوليَّة كبيرة ، هذا الذي
أنجبته له حقٌ عليك.
النبي عليه الصلاة والسلام لماذا
جعل الدِرهم الذي تنفقه على عيالك خيراً من أي درهمٍ آخر؟ لأن إنفاق المال على
الفقراء مثلاً قد تنفق عليهم أنت وهناك آخرون ينفقون عليهم ، أي هو بابٍ من أبواب
الخير إن امتنعت أنت عن الإنفاق تقدَّم غيرك ، ولكن رعاية الأولاد، هؤلاء الأولاد
إن تخليت أنت عنهم من لهم؟ ليس لهم أحد ، من هنا كان الدرهم الذي تنفقه على عيالك ،
أو على أولادك خيراً من أي درهمٍ آخر ، كما قال عليه
الصلاة والسلام في مقدمة هذا الموضوع.
والحديث الثاني : عن أيوب بن موسى
عن أبيه عن جده أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "ما نحل والدٌ ولداً أفضل من
أدبٍ حسن". (رواه الترمذي) معنى نحل أي أعطى ـ هذا الحديث الثاني فكرةٌ مهمة: الله
سبحانه وتعالى جعل في الأرض معايش ، معنى معايش أي جعل في الأرض أبواباً لكسب الرزق
، كل واحد له حرفة ؛ هذا مدرِّس والتدريس بابٌ لكسب الرزق ، هذا محامِ والمحاماه
بابٌ لكسب الرزق ، هذا موظَّف ، هذا صاحب مهنةٍ يدويَّة ـ حرفةٍ يدويَّة ـ كل
إنسانٍ يعيش من عملٍ والناس في أمس الحاجة إليه ، وهذا تصميم الله عزَّ وجل ،
فالإنسان يُتقن عملاً واحداً وهو بحاجة إلى آلاف آلاف
الخدمات والحاجات ، الحياة تقوم على
العلاقة المتبادلة. كذلك ربنا سبحانه وتعالى جعل في الحياة الدنيا أبواباً للعمل
الصالح لا تعد ولا تحصى الأسرة أحد أكبر هذه الأبواب ، أي يكفي أن تكون زوجاً
مثالياً ، أن ترعى زوجتك ، أن تحملها على طاعة الله ، أن تعرِّفها بأمر آخرتها ، أن
تعطيها سؤلها بالمعقول من دون شطط ، من دون إسراف ، من دون تبذير ، من دون مباهاة ،
أن تكفيها مؤنتها ، أن تطمئنها لا أن تهددها بالطلاق صباح مساء ، يكفي أن تبثَّ في
قلبها الأمن والطمأنينة ، وأن تطعمها مما تأكل ، وأن تلبسها مما تلبس ، وأن
توقِّرها توقيراً يليق بها كزوجة شريكة حياة ، هذا بابٌ كبير من أبواب العمل الصالح.
أولادك يكفي أن تحرص على مستقبلهم ، يكفي أن تحرص على هدايتهم ، يكفي أن تسعى لتنشئتهم نشأةً صالحة. بناتك يكفي أن ينشأن على طاعة الله ورسوله ، يكفي أن تكون هذه البنت وفق ما أراد النبي عليه الصلاة والسلام ، وأن تبحث لها عن زوجٍ مؤمن فإن في هذا المسعى عملاً عظيماً هو مدخلٌ لك على الله عزَّ وجل. الآن أوسِّع الدائرة ؛ حرفتك ، عملك يكفي أن تتقنه ، وأن تكون صادقاً فيه ، وألا تغش به المسلمين ، وأن تمارسه وفق الشرع ، وأن تبتغي به خدمة المسلمين حتى ينقلب هذا العمل إلى عملٍ صالح ، فأحياناً الإنسان يتوهَّم أنه عدداً قليلاً من الناس فقط لهم عند الله مكانة كبيرة، أقول إن هذا وهم فحسب ظنه أن الذي يبني هذا المسجد ، وهذا الداعية ، وهذا الخطيب مثلاً فقط هم أصحاب الخطوة عند الله ، لا .. أنت أنت أيها الأخ الكريم بحرفتك ، وعملك اليومي ، وفي بيتك ، ومع زوجتك ، وأولادك ، وفي علاقاتك الاجتماعيَّة إذا أوقعتها وفق منهج الإسلام ، وضبطت عملك هذه كلها أبوابٌ لدخول الجنَّة ، فهل من المعقول أن يكون كل الناس دعاة؟ لا ، وكن أنت صاحب مهنة ، صادق ، مستقيم ، أمين ، تنصح المسلمين ، تبتغي بعملك هذا خدمة المسلمين هذا بابٌ كبير من أبواب دخول الجنَّة ، فأنا أريد أن أقول : إن الأبواب المفتَّحة للجنَّة لا تعد ولا تحصى ، وذوو مكانة عند الله كثيرون.
شيءٌ آخر : هذا الحديث يؤكِّد كل
هذا الكلام الذي قيل قبل قليل ـ عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال : جاء النبي
عليه الصلاة والسلام إلى بيتنا ـ يبدو أن بينهم قرابة ـ وأنا صبيٌ صغير ، فذهبت
لألعب فقالت لي أمي : "يا عبد الله تعالَ أعطيك". فقال عليه الصلاة والسلام : "ما
أردتِ أن تعطيه؟" قالت : "تمراً" ، فقال عليه الصلاة والسلام : "أما إنكِ لو لم
تفعلي ذلك لكُتبت عليكِ كذبة". فعليك أن تمارس مع ابنك الصدق قبل أن تأمره بالصدق.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أخذ الحسن بن علي رضي الله عنه تمرةً من تمر
الصدقة فجعلها في فيه ـ أحياناً الأب لا يبالي ماذا يأكل ابنه؟ من طعام حلال ، من
طعام حرام ، هذا الشيء يجوز أكله ، أو لا
يجوز أكله ، شاهد معه حاجة ليست له فلم يسأله : من أين هي؟ هذا الذي لا يبالي
ربَّما شجَّع ابنه على أكل مالٍ حرام وهو لا يدري ـ فقال عليه الصلاة والسلام
لحفيده الحسن ، وقد أخذ تمرةً من تمر الصدقة ، قال عليه الصلاة والسلام : كخ كخ ـ
هذه كلمةٌ فصيحة وهي اسم فعل ـ ارم بها أما علمت أَنَّا لا نأكل الصدقة؟". (رواه
الشيخان)
هذه حرام ، فإذا مرَّ الأب على
بائع وأكل شيئاً من هذا المبيع وهو لا ينوي الشراء ، على مرأى من ابنه ، صار عند
ابنه "شعار ضع في الخُرج" هذا شعار آخر ، لا تدقِّق ، أما إذا تعفَّف الأب انتبه
الابن ، وصار لديه انضباط ، لذلك مرَّ بنا
سابقاً أنه : "من أكل لقمةً من حرام
جُرِحَت عدالته". تطفيفٌ بتمرة تجرح العدالة. عندنا قاعدة شهيرة جداً: "لا يستقيم
الظلُ والعود أعوجُ" . أحضر عواًد أعوج وضعه في الشمس ، هل يمكن أن يأتي ظلُّه
مستقيماً؟ مستحيل ، متى يستقيم العود والظل أعوج؟! والبيت الشهير الذي تعرفونه
جميعاً : إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيتِ كلُّهم الرقص. فالأب كما
قلت لكم سابقاً : يكون ابنه في سن لا يُجدي معه إلا الملاعبة ، والمداعبة. "لاعب
ولدك سبعاً ...".
طفل صغير ، هذا الذي يستيقظ ليضرب
ابنه ضرباً مبرِّحاً إذا بكى في الليل وأيقظه ، وعمره سنتان ، هذا ليس أباً ، هذا
الإنسان ليس في مستوى أن يكون أباً لولد ، من عام لسبعة أعوام هذا الطفل الصغير
يحتاج إلى إيناس ، يحتاج إلى ابتسام ، يحتاج إلى ملاعبة ، يحتاج إلى أن تهبِط إلى
مستواه ، يحتاج إلى أن تمضي معه فترةً في تأليف قلبه ، فالنبي على عظمة شأنه ، وعلى
عِظَمِ قدره كان يمشي على أربع ، ويركب الحسن
والحسين على ظهره ويقول : "نعم الحملان
أنتما ، ونعم الجمل جملكما". "نعم الجمل جملكما ! ونعم العدلان أنتما". (من كنز
العمال : عن "جابر"). "من كان له صبي فليتصابى له". (من الجامع الصغير : عن "معاوية").
وكانت الجارية تأخذ بيد رسول الله ـ البنت الصغيرة جداً ـ وتمضي به حيث تشاء ،
الآن : "لاعب ولدك سبعاً ، وأدبِّه سبعاً". من السابعة إلى الرابعة عشرة تأديب ،
تكلَّم الابن قليلاً خلاف الحق أو أخذ ما ليس له ، أو نظر نظرةً غير مؤدَّبة ، فيجب
أن تؤدِّبه باستمرار. لكن ما هي المشكلة؟ أنه أحياناً ألف إنسان ينظِّف لا يستطيع
أن يزيل أثر إنسان يوسِّخ ، فكيف إذا كان منظِّف واحد وألف موسِّخ؟ اعكسوها .
الإنسان أحياناً بحكم الفساد الاجتماعي العام ، يجد مصدراً واحداً للتوجيه وألف
مصدرٍ للإفساد ، على كلٍ وأدِّبه سبعاً.
هناك وصية لسيدنا لقمان مأثورة عن
هذا النبي الكريم وهي من وصايا كثيرة أثرت عنه،
وبعضهم يقول : هو ليس نبياً ، على كلٍ ورد
ذكره في القرآن الكريم. ﴿وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا
بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ﴾ (سورة لقمان : من آية "13"). قد تواجهك مرحلة لا
تملك عندها إلا التوجيه الصحيح وأن تكون قدوةً ، وعلى الله الباقي. "يا بني اتخذ
تقوى الله تعالى تجارتك يأتك الربح من غير بضاعة". أول ملاحظة : استقيموا ولن تحصوا
، استقم على أمر الله واجعل تجارتك أن تكون مستقيماً على أمر الله ، ولا تسأل عن
كثرة الخير الذي سيأتيك من كل جانب.
النصيحة الثانية : "يا بني احضر
الجنائز فإن الجنائز تذكِّرك بالآخرة". الجنائز تذكر بالآخرة ، فأحياناً الشباب في
مرحلة من حياتهم أسقطوا من حساباتهم كلياً موضوع الموت ، أو موضوع مغادرة الدنيا ،
هناك مفاجآت، فكم من شابٍ مات في مقتبل العمر؟! هذه الفكرة الخاطئة أنا شاب الآن ،
هذا كلام غير صحيح ، نسمع كل يوم بنعوات الشاب أو الشابَّة ، أو فلانة الوالدة مع
ابنها ، إذاً الموت لا يعرف صغيراً ولا كبيراً ، فالنصيحة الثانية أن يتجه الشاب
إلى أمر الآخرة. "يا بني لا تكن أعجز من هذا الديك الذي يصوِّت بالأسحار وأنت نائمٌ
على فراشك" . أي في الصباح
ساعة فيها من التجلِّي ، وفي من البركات
والخيرات لا يعلمها إلا الله. "لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ
لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا " (من صحيح البخاري : عن "أبي هريرة") ربنا عزَّ وجل
في هذا الوقت يتجلَّى على عباده ، فلذلك هناك من يستيقظ ليأخذ من هذا التجلِّي
شيئاً ، وهناك من يمضي هذا الوقت نائماً ، على كلٍ الله سبحانه وتعالى يقول في
الحديث القدسي: "إن اللّه تعالى ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل
الأخير، فيقول : هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فيعطى
سؤله؟ حتى يطلع الفجر (من تفسير ابن كثير : عن "سعيد بن جبير")
"يا بني لا تؤخِّر التوبة فإن
الموت يأتي بغتة". لذلك مرَّ معي أن من أدعية المصطفى صلى الله عليه وسلَّم :
"اللهمَّ اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم" .
هذا دعاء قرآني كان النبي عليه الصلاة والسلام كثيراً ما يتمثَّله. وهناك شيء آخر
هام جداً : "اللهمَّ تب علينا من نسيان التوبة ، وتب علينا من تأخير التوبة". نسيان
التوبة ذنب يضاف إلى ذنب الذنب ، وتأخير التوبة ذنب ، أيضاً وبعض الشباب دائماً
يردد : أنا شاب ، وغداً أتوب . وقد قال عليه الصلاة والسلام: "ويحك ! أو ليس الدهر
كله غدا؟". (من الجامع الصغير : عن "جعال بن سراقة"). والقول الشهير: "هلك
المسوِّفون". "يا بني لا ترغب في ود
الجاهل فيرى أنك ترضى عن عمله". إذا أثنيت على جاهل فكأنك تثني على جهله ، من هنا
الحديث الشريف : "إن الله يغضب إذا مُدِحَ الفاسق". (من أحاديث الإحياء: عن "ابن
أبي الدنيا") إذا مدحت فاسقاً أمام ابنك ، هو لا يصلي ، يشرب الخمر ، يا أخي لطيف ،
تقول عنه لابنك : مهذَّب ، لبق ، ذكي ، شاطر ، فإلى أين أنت مندفع في ثنائك الزائف؟
ابنك يصدِّقك ، إذا خلعت على هذا الإنسان العاصي لربه ، المقترف للكبائر ووصفته بكل
صفات الأدب ، والذكاء ، واللطف ، فهذه مشكلة ، يجب أن تسكت وإلا فإنك تكون قد وضعت
ولدك في خضم المتناقضات. "إن الله يغضب إذا مُدِحَ الفاسق" (من أحاديث الإحياء : عن
"ابن أبي الدنيا") يغضب ، حينما تمدح الفاسق ماذا تفعل؟ تجعل القيم تضطرب في ذهن
ابنك. لذلك أحياناً في القصص ، والأعمال التي تجسِّد هذه القصص في بعض أجهزة اللهو
، ما الذي يحصل؟ أن شخصيةً من الشخصيات يسبغ عليها كاتب القصَّة البطولة ، الشهامة
، المروءة ، حب الآخرين ، حب خدمة الناس ، الصدق ، الأمانة ، كل الصفات البطوليَّة
تُسْقَطُ على هذه الشخصيَّة ، ومع ذلك يشرب الخمر ، ولا يأبه لأوامر الله عزَّ وجل
، إذا قرأ الإنسان هذه القصَّة ، أو شاهدها ممثَّلةً ، ماذا يحصل؟ هذه القيم
تتسرَّب إلى أعماقه ، إلى عقله الباطن ، فأخطر ما في القصَّة إذا أراد الكاتب منها
تدمير القيَم هذا الخطر الماحق ، إذ أن كل صفات البطولة يخلعها كاتب القصَّة على
شخصيَّةٍ ما ، وفي الوقت نفسه يظهر أن هذه الشخصيَّة ليست منضبطة بأوامر الدين ، في
أعماق أعماق المشاهد أو القارئ يتسرَّب إلى عقله الباطن أن البطولة ليس من مقوماتها
معرفة الله ولا طاعته ، بل إن المعصية من لوازم البطولة.
يكفي خطراً أن تبرز امرأةً وتصفها
بأنها دينةً مع أنها ثرثارة ، أو مهملة لأولادها ، وأنها جاهلة ، أو أن تظهر امرأةً
متبرِّجةً ، متفلِّتةً من كل أدبٍ إسلامي على أنها امرأةٌ صالحة ، وزوجةٌ ناجحة ،
صادقة ، مربِّية ، مخلصة لأولادها ، ترعى زوجها ، مثل هذه المتناقضات في الأحكام
كمن أن تقضي على مجتمعٍ بأكمله وتحيله إلى ضلال في السلوك والعقيدة ، والضلال ضياع
وكفر. لذلك إذا قرأت أدباً وشعرت أنه حرَّك مشاعرك العُليا ، وتفكيرك المرتفع فأنت
أمام فنٍ رفيع ، فإذا لم يحرِّك هذا الأدب إلا المبتذل من مشاعرك ، والتافه من
تفكيرك فأنت أمام فنٍ رخيص ، ويستطيع الكاتب الرخيص ؛ كاتب
القصَّة الرخيص ، كاتب الشعر الرخيص ،
كاتب المقالة الرخيص يستطيع إذا آتاه الله مقدرةً أدبيَّةً رائعة أن يدمِّر مجتمعاً
بأكمله.
يجب أن تعرف ماذا يقرأ ابنك؟ إذا
جئت بمطبوعات من المستوى الهابط إلى البيت فتعلم أن هذا يُقرأ من قِبَل
الزوجة والأولاد ، إذاً من أنت؟ أنت وعاء،
تفكيرك ، تصوراتك محصلة ما يملأ في هذا الوعاء. فهذا الذي يعاشر رفاق السوء ، هذا
الذي يعاشر أناساً متفلِّتين من أوامر الدين ، هؤلاء يبثون فيه قيماً أخرى غير قيم
الدين ، يبثون فيه عادات ليست إسلاميةً ، يبثون فيه مبادئ ليست إسلاميَّة ، لذلك
أنت أو ابنك في النهاية وعاء ، ماذا يصبُّ في هذا الوعاء؟ فإذا كنت ممن يقرأ القرآن
، ممن يقرأ سُنَّة النبي العدنان ، إذا كنت ممن يحضر مجالس العلم ، إذا كنت ممكن
يقرأ كتاباً إسلامياً يغذي قلبه وعقله فأنت في النهاية إنسانٌ مبدؤك صحيح ، قيمك
صحيحة ، وكذلك عاداتك ، وتقاليدك ، وأخلاقك ، أما إذا سمحت لمُغَذِّياتٍ أخرى ،
لثقافاتٍ أخرى ، للباطل المزيَّن المزخرف أن يملأ بيتك ، عن طريق كتاب ، أو مجلَّة
، أو قصَّة ، هناك أثر للقصَّة لا يعرفه إلا المختصّون ، أن تقرأ ما تشاء هذا غذاء
، حتى أن هناك دراسات الآن تؤكِّد أن أكثر الجرائم التي يرتكبها الصغار ، والراشدون
، والمراهقون إنما هي مستقاةٌ بشكلٍ أو بآخر مما يرونه من خلال الأعمال الفنيَّة
التي تجسِّد بعض القصص.
حدَّثني رجل أثق به فقال لي :
والله في بعض القصص التي انقلبت إلى قصص مشاهدة ، ثلاث عشرة خيانة زوجيَّة ، لو أن
شابةً رأت هذا العمل الفني ، فإن الخيانة الزوجية لديها تصبح شيئاً بسيطاً جداً
يمكن أن تفعله المرأة انتقاماً من
زوجها ، أو تأديباً لزوجها ، أما المرأة
المسلمة بينها وبين أن تنزلِق في هذا العمل مسافاتٌ لا يعلمها إلا الله ، بعيدةٌ
عنه بعد الأرض عن السماء. فهذا الذي تقرؤه ، هذا الذي تسمعه ، هذا الذي تشاهده شئت
أم أبيت ، أحببت أم لم تُحب في النهاية هو الذي يصنع عقيدتك ، وهو الذي يصنع قيَمك
، وهو الذي يصنع عاداتك وتقاليدك ، فالخطر يأتي من هنا . اقرأ القرآن فهذا كلام
الله عزَّ وجل. ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾
(سورة فصلت : من آية "42").
مرَّة قرأت في مجلَّة كلمة مداها
سطر واحد ، والله الذي لا إله إلا هو إنها سُمٌ من أشد أنواع السموم فتكاً ، قال
قائلها : "أنت أخلاقي لأنك ضعيف ، وأنت ضعيف لأنك أخلاقي". بلاء والله ، أربع كلمات
، هذا يدعوك من خلالها لتكون لا
أخلاقياً من أجل أن تكون قوياً ، أو من
أجل أن تأخذ ما تريد ، لذلك لابدَّ من مقصٍ بيد الأب يقصُّ به كل شيءٍ لا يعجبه حتى
لا يقرأه ابنه ، إذا أردت أن تؤدِّبه أدباً إسلامياً.
-
"يا بني اتقِ الله ولا ترى الناس أنك تخشاه لشيءٍ ما" . فأحياناً الإنسان لا يخشى الله ابتغاء مرضاة الله ، بل إنه يخشى الله ابتغاء ألا يتعرض لغضب الناس، هذا نوعٌ من الشرك.
-
" يا بني ما ندمت على الصمت قط ، فإن الكلام إذا كان من فضَّةٍ كان السكوت من ذهب". لأن الصامت في أمان أو في سلام ، والمتكلِّم إما له أو عليه.
-
" يا بني اعتزل الشر يعتزلك فإن الشرَّ للشر خُلِق".
-
"يا بني عليك بمجالسة العلماء ، واستمع إلى كلام الحكماء فإن الله يحيى القلب الميِّت بنور الحكمة كما يحي الأرض بوابل المطر ، وإياك والكذب وسوء الخُلُق ، فإن من كذب ذهب ماء وجهه ، ومن ساء خلقه كثر غمُّه ، ونقل الصخور من موضعها أيسر من إفهام من لا يفهم". عندنا باللغة مصطلحان : الفهم والتَفَهُّم ، الفهم معروف ، أما التفهُّم هو محاولة الفَهْمِ ، وتجد إنساناً لا يحب التفهُّم ، أي ليس مستعداً أن يبذل أي جهدٍ ليفهم ، وتجد إنساناً لا يفهم ولكنَّه يتفهَّم.
-
"يا بني لا ترسل رسولاً جاهلاً فإن لم تجد حكيماً فكن رسول نفسك". أحياناً الإنسان يكلِّف إنساناً بمهمَّة ، فهذا الإنسان يشوِّه سمعته ، يسئ إليه ، الرسول يجب أن يكون من جِنس المرسل ، وشرف الرسول من شرف المُرسل.
-
"يا بني يأتي على الناس زمان لا تقرُّ فيه عين حليم". النبي عليه الصلاة والسلام تعجَّب من آخر الزمان ، كيف أنه يدع الحليم حيران.
-
"يا بني اختر المجالس على عينك ، فإن رأيت المجلس يُذكر فيه الله عزَّ وجل فاجلس معهم ، فإنك إن تكن عالِماً يزدد علمك ، وإن تكن جاهلاً يعلِّموك ، وإن يطلع الله عزَّ وجل عليهم برحمةٍ تصبك معهم".
-
"يا بني لا تجلس المجلس الذي لا يُذكر فيه الله عزَّ وجل ، فإنك إن تكن عالماً لا ينفعك علمك ، وإن تكن غبياً يزدك غباءً ، وإن يطلع الله عليهم بعد ذلك بسخطٍ تصبك معهم". أي أن أجدى شيءٍ لك أن تحضر مجالس العلم التي تثق بها.
-
"يا بني لا يأكل طعامك إلا الأتقياء ، وشاور في أمرك العلماء ، يا بني إن الدنيا بحرٌ عميق وقد غرق فيه ناسٌ كثير ، فاجعل سفينتك تقوى الله عزَّ وجل".
-
"يا بني إني حملت الجندل والحديد ـ الجندل هو الصخر ـ فلم أحمل شيئاً أثقل من جارٍ السوء ، وذقت المرارة كلها فلم أذق أشدَّ من الفقر".
-
"يا بني لا تعلَّم ما لا تعمل ، حتى تعمل بما تعلم".
-
"من عمل بما علم ورَّثه الله علم من لم يعمل".
-
"يا بني إذا أردت أن تؤاخي رجلاً فأغضبه قبل ذلك ، فإن أنصفك عند غضبه وإلا فاحذره". فالبطولة أن تنصف الناس وأنت غضبان لا وأنت فرحان.
-
"يا بني إنك منذ نزلت إلى الدنيا استدبرتها واستقبلت الآخرة ، فدارٌ أنت إليها تسير أقرب من دارٍ أنت عنها راحل".
-
"يا بني عوِّد لسانك أن يقول : اللهمَّ اغفر لي ، فإن لله ساعاتٍ لا يُرَد فيها الدعاء".
-
"يا بني إياك والدَين فإنه ذلٌ في النهار وهمٌ في الليل".
هذه بعض الكلمات التي أُشرت في
الكتب القديمة عن سيدنا
لقمان الحكيم ، على كلٍ إذا بلغ ابن الرجل
السن التي يميِّز بها فليس عليك إلا أن تنصحه ، هذا كل ما تملكه نحو ابنك. سيدنا
ابن عباس رضي الله عنه قال : "كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلَّم. فقال: يا غلام
إني أعلِّمك كلمات ، احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل
الله، وإن استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ لم
ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا
بشيءٍ قد كتبه الله عليك ، رُفعت الأقلام وجفَّت الصحف". (رواه الترمذي وقال :
حديثُ حسنٌ صحيح) هذا أيضاً من توجيه الأب لابنه ، حديثٌ رائع.
حديثٌ آخر في توجيه الأولاد: "احفظ
الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، وإن
النصر مع الصبر ، وإن الفرج مع الكرب ، إن
مع العسر يسرا". (من المأثور : عن "سهل بن سعد")
الحق الذي قبل الأخير من حقوق
الأبناء هو: أن يعوله حتى يبلغ سن
الرشد. أنا لست مجبوراً بك ، لا إنك مجبور
به ، هذا الكلام الصحيح ، أنت حينما أردت أن تكون زوجاً وأباً فلهؤلاء الأولاد حقوق
عليك ، لذلك عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قالا : قال عليه الصلاة
والسلام ـ استمعوا جيداً ـ "كفى بالمرء إثماً أن يضيِّع من يقوت". مجبور فيه وزيادة.
الشيء الآخر : عن أبي قلابة عن أبي
أسماء عن ثوبان أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : "أفضل دينارٍ
ينفقه الرجل على عياله ، ودينارٌ ينفقه
على دابَّته في سبيل الله". إذاً أن تعوله حتى يبلغ سن الرشد ويستطيع الكسب.
بقي حقٌ ليس في الوقت فسحةٌ كي
نشرحه ، وسوف أُؤخره إن شاء الله تعالى إلى درسٍ قادم لأنه من أعظم أبحاث هذا
الموضوع أهميةً ، إنه العدل بين الأولاد في العطاء والوصيَّة ، فهذا الذي يقع فيه
معظم الناس في تفضيل الذكر على الأنثى في الوصيَّة وفي الإرث ، ويلجئون إلى أساليب
لا يرضاها الله عزَّ وجل في التهرُّب من إعطاء البنات حقَّهن ، هذا الموضوع إن شاء
الله تعالى نرجئه إلى درسٍ قادم
لننتقل بعده إلى حقٍ آخر من حقوق الإنسان مما له
أو عليه.
والحمد لله رب العالمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق