نسمع كثيرا عن "الشخصية المثالية"، ويحتار الناس في
ما هيتها، فالبعض يجد أن التربية تفرز شخصا مثاليا، أو يمكن الوصول إليها بأساليب
مختلفة، إلا أن بعض الفلاسفة والمفكرين يرون أنها لا تحظى بالقبول والرضا، كونها
غير واقعية،
وأن الكمال وحده لله.
وأن الكمال وحده لله.
فقديما قال ارسطو طاليس "إن الشخص المثالي، الذي لا
يعرض نفسه بغير ضرورة للمخاطر، ولكنه على استعداد أن يضحي بنفسه في الأزمات الكبيرة،
وهو يعمل على مساعدة الناس، ولكنه يرى العار في مساعدة الناس له".
ومع انه قيل في هذه الشخصية الكثير من الحكم، لمن
يريد أن يصبح "مثاليّا، إلا أن ما سجله ارسطو، ولد الكثير من المفاهيم حول شخصية
المثالي، ومن يتصف بها، حتى أن البعض يجد هذه الشخصية مجردة من كل الصفات، لأنها
تعبّر عن تصرفات وسلوكيات، ربما يجهلون بأنها لا تمت للمثالية بشيء، وآخرون يقتربون
من المثالية، كما هو في الفكر الفلسفي الذي يعتمد على النظرية ومن ثم الجانب العملي،
حتى يجعل الشخص العقلاني "شخصية" أقرب الى المثالية.
ولكن الثلاثينية روان علي (28 عاما)، لا تعتقد بوجود
هذه الشخصية على وجه الأرض، وإن كانت فهي ليست في العصر الحديث، حتى مع التغييرات
في الفكر والانفتاح على مختلف الشعوب. وتعتبر أن لكل شخص حسناته وسيئاته، وليس من
الممكن أن يكون الشخص متوازنا في كافة أمور حياته أو أنه لا يخطئ في العمل أو البيت
وغيره، مؤكدة بنفس الوقت وجود شخص "أحادي الفكر الصحيح"، وفي ذلك ما يقرّبهم بنظرها
من المثالية.
ويظهر عيسى حمد (33 عاما)، مثاليته، متناقضا فيما
طرحته (روان)، لاعتقاده بذلك من خلال وصف الناس له، بأنه شخصية مثالية، وحتى أصبح
يتراءى ذلك عند جلوسه مع نفسه، بأنه يحمل بالفعل صفة "المثاليّ"، معتزا ومفتخرا
بذلك. ويحاول أن يطبق ذلك على أسرته منذ أن تزوج قبل خمس سنوات، وعلى الدوام يواجه
مع زوجته مشكلات تتعلق بمثاليته، فيقول "لم أكن اعرف أنني مثاليّ إلا أن وجدت نفسي
بالفعل، أضحي لأجل الآخرين طوال فترة حياتي وأنا صغير". فقد تحمل منذ صغره مسؤولية
تربية أخوانه الصغار، فبحث عن عمل في احد المحلات وأكمل تعليمه، "وأن ما شاهده في
الحياة جعله مثاليا وبشكل كبير، وأتقبل أشياء كثيرة، ومناسبة وترضي جميع الأطراف"،
وفقا لقوله.
ولا يعترف عرفات عبدالله، بوجود شخص مثالي في هذا
العالم، "فلكل منا حسناته وسيئاته، ولكن هذا لا يعني أن لا نسعى إلى المثالية، وذلك
بتحسين أسلوبنا وطريقه تعاملنا مع الناس ومنهج تفكيرنا". ويعتقد أن هنالك شريحة في
المجتمعات تجدها تسعى للمثالية، "وأغلبهم من المتصنّعين، لان المثالية لا يعني أن
تظهر صفات المثالية، بل أن تكسبها وتمارسها بالفعل وليس بالتصّنع". ويقول "إننا لا
نستطيع ان نحكم على أنفسنا بالمثالية، لأننا نعيش بعالم غير مثالي، ولا يمكن أن
يخلق المجتمع أناسا مثاليين في الأمور كافة، بل يوجد أفراد يسيرون باتجاه المثالية".
وتعتبر الثلاثينية ربة المنزل (أم وسام)، أن كل إنسان
ينظر إلى نفسه على انه شخص مثاليّ، ولكن الأهم حكم الآخرين عليه، فهم يحددون تلك
الصفات، إضافة إلى أن الأشخاص المثاليين في الحقيقة غير موجودين لاختلاف وجهات
النظر حول مقياس الأمور في الحياة من شخص لآخر. وترى أن هناك أشخاصا يوصفون
بالعقلانيين، وهي الأصح بدل المثالية، لأنه من غير المعقول بنظرها أن يكون هنالك
شخص في الحياة، يحسن التصرف في الأمور كافة، ويتخذ على الدوام القرارات الصائبة،
ويساعد كل من يحتاج إليه ضمن المنطق.
يؤكد اختصاصي علم الاجتماع الدكتور سري ناصر أن الشخص
المثالي هو إنسان "بشريّ" وله سلوك معيّن، ودوافع هذا السلوك يستمدها من حاجات
تدفعه نحو السلوك، الذي يكتسبه من البيئة التي يعيش فيها. ويعتقد بوجود بعض الأفراد
الذين يعيشون على مبادئ معينة أو فلسفة معينة ومنهم من يكونون نموذجا للآخرين
لارتباطهم الوثيق بتلك المبادئ. ويرجع ناصر وجود الشخصية المثالية من عدمه في
المجتمع إلى تعريف "الشخصية المثالية" بمعناها الحقيقي، والذي قد لا تتوافر نتيجة
لتوفر أكثر من معنى وشكل للمثالية بالعموم.
ويذهب اختصاصي علم النفس دكتور خليل أبو زناد، إلى أن
المثالية لا تحدد في سلوك واحد، "وكثيرا من الأفراد يعتقدون أن الشخص المثالي هو
مثالي، لأنه على خلق حسن فقط واختصارها بذلك". ويؤكد أن وجود الشخصية المثالية غير
متواجدة على الإطلاق، وأن من يرى بأنه شخص "مثاليّ" في كافة أمور الحياة، شخصية
نرجسية أو متعالية مغرورة، تجلب لنفسها التعب وللآخرين المحيطين المشاكل، منبها له
بضرورة تعديل سلوكه وتصرفاته. إن وجود مبادئ وأشخاص عقلانيين لا يمثلون الشخصية
المثالية، إنما هم مثاليون في جانب محدد، يعتمد على سلوكياتهم وصفاتهم في اتجاه
واحد فقط؛ لذا لا يمكن وصفهم بالشخصية المثالية إنما "العقلانيّة".
للكاتبة الرائعة
سوسن مكحل - جريدة الغد الاردنية
مدونة أسكي جروب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق