توتر وقلق وخوف وكبت
داخل بيوت تعيش حالة طوارئ مستمرة. وفتيات يرضخن لتعليمات يمنع مناقشتها بتاتا في
بيوتهن.
كثير من الفتيات يعشن بين أسر تُشيع الرعب والتوتر، ويرضخن لذلك رغم عدم
قناعتهن بالأمر الواقع، ما يجعلهن يتمردن على هذا الواقع بتصرفات تكون معظمها
خاطئة.
وتشكو الطالبة الجامعية
سارة جمال، من والدها الذي يرغمها على البقاء في المنزل، ولا يسمح لها بالخروج،
ويفرض عليها إحضار جدول محاضراتها كل بداية فصل، ليحسب لها الوقت الذي تحتاجه من
انتهاء المحاضرة حتى وقت عودتها إلى المنزل.
ولكن مثل تلك التصرفات
تسبب لها الضيق، وتقول "لم تفلح كل هذه الممارسات التي يقوم بها والدي، فهذه ليست
طريقة لكي يمنعني من أبسط حقوقي في الجامعة، الأمر الذي بات يدفعني لتطنيش جزء كبير
من محاضراتي، والجلوس مع صديقاتي أو الخروج برفقتهن، ولا يهمني التأخر في التخرج
كون الجامعة هي المتنفس الوحيد لي من الكبت الذي أتعرض إليه من والدي" بحسب ما
تقول.
وفي وضع مشابه، تعيش هند
وأختها، حالة من الخوف والرهبة من الأجواء التي تسود منزلهما، فالتحكم والتسلط
والرقابة أمور مستمرة على تحركاتهما من والديهما وأشقائهما الذكور. الشقيقتان لا
تجدان نفسيهما مثل باقي الفتيات بسبب الحرمان من أبسط الحقوق، تقول هند "اعتدت منذ
الصغر أن الخروج وحدي من البيت مستحيل، ولا يمكن الذهاب الى زيارة صديقتي، أو
الاشتراك في أي مركز للفتيات، وكبرت على هذه المراقبة، التي خلقت عندي وعند شقيقتي
ردة فعل عكسية".
وتبين هند أن المرة التي
يسمح لها والدها بالخروج، تكون برفقة أخيها، ما جعلها تختلق الأكاذيب وتخرج في
أوقات عدم وجود أهلها إلى المقاهي مع صديقاتها، وكذلك تدعي أنها في منزل صديقة لها
لكنها في الحقيقة تكون في المول أو المطعم أو في حفلة عيد ميلاد، وبرأيها ذلك ردة
فعل طبيعية على تصرفات أهلها الذين يدفعونها للكذب.
غير أن الأهل الذين
ينتهجون مثل هذه الطريقة في معاملة بناتهن، لا يتمتعون بالثقة في النفس، وتميل
شخصيتهم للتردد، وفقا للاختصاصية الأسرية د. نجوى عارف، التي تبين أن ذلك الكبت
ينشئ نوعا من الغضب لدى الأبناء الذين يعبرون عنه بالتمرد. وتؤكد عارف أن الكبت ليس
من الأساليب السليمة في التربية، وتضطر الفتاة حينها إلى ايجاد مساحة من التنفيس
بطرق سلبية مثل، "السرقة والغش وإنشاء علاقات".
وتقول "إن
الحزم ضروري والكبت ممنوع"، موضحة أن البديل ليس بالأسرة المنفتحة، كونها ستولد نفس
نتائج الكبت، إنما الحل هو بالأسرة الحازمة التي لديها قوانين وحدود ثابتة، لا
تتغير لينتج أبناء لديهم الثقة بأنفسهم.
وتبرر الخمسينية سهاد
ممارسة الضغط من الأهالي على الأبناء ومراقبتهم، خصوصا الفتيات؛ لطبيعة المجتمع،
وما يسمع يومياً من قصص ومصائب تحدث معهن، ما يجعل الأسرة تخاف عليهن من لحظة
الخروج من باب المنزل وحتى العودة. وتؤكد أنها لا تريد أن تخسر بناتها أو تدفعهن
لممارسة سلوكيات مرفوضة بسبب شدة الرقابة، ولهذا تسمح لهن باستضافة صديقاتهن في أي
وقت بالمنزل، للتعويض عن عدم الخروج بمفردهن من المنزل.
المحامي والمستشار في
قضايا المرأة عاكف المعايطة، يبين أن كثيرا من مشاكل الفتيات، مردها للكبت العائلي،
وكثرة الممنوعات، خصوصاً بوجود مجتمع يشجع على ذلك، مشيرا إلى أن الحرية تجعل الشخص
يتصرف على طبيعته. ويضيف المعايطة أن الفتاة التي تعيش في كبت، تغتنم أي فرصة
لتتصرف بطريقة خاطئة حتى لو كانت مدركة لذلك، وذلك بالنسبة لها بمثابة فرصة يجب عدم
تضييعها.
ويرى أن إعطاء الفتاة الحرية، يشعرها بالمسؤولية اتجاه نفسها، والقدرة على تقييم تصرفاتها وحدها، والعكس تماما حيث إن الكبت له مردود عكسي يجعلها تسلك طرقا غير صحيحة، معتبرا أن كثرة الشد والكبت سيجعل الفتاة تعيش في مرحلة تمرد على كل هذا الضغط ما سيعود على الأهل برد سلبي بسبب تصرفاتهم.
ويرى أن إعطاء الفتاة الحرية، يشعرها بالمسؤولية اتجاه نفسها، والقدرة على تقييم تصرفاتها وحدها، والعكس تماما حيث إن الكبت له مردود عكسي يجعلها تسلك طرقا غير صحيحة، معتبرا أن كثرة الشد والكبت سيجعل الفتاة تعيش في مرحلة تمرد على كل هذا الضغط ما سيعود على الأهل برد سلبي بسبب تصرفاتهم.
ويدعو في هذا الصدد إلى
حرية ضمن أطر ممنهجة، مبينا أن أغلب الحالات التي يتعرض لها في موضوع الارشاد
الأسري خصوصاً ما يخص الفتيات غير المتزوجات، مردها مراقبة الأهل والتفتيش في
أغراضهن، وحجز حريتهن، ما يجعلهن صاحبات شخصية ضعيفة، ينتظرن أي شخص يطرق بابهن.
وكون الأمر ينبع من قيم المجتمع والعادات التي تحكمه، فإن الاختصاصي الاجتماعي د.حسين محادين، يرى أن على الآباء التمييز بدقة، بين التقييم التربوي للفتيات، وبين الضغط المبالغ فيه، والذي يتجاوز حدود التوجيه والحوار إلى حدود الإملاء الدائم من قبل الأهل دون أن يكون للفتاة حق الرد.
وكون الأمر ينبع من قيم المجتمع والعادات التي تحكمه، فإن الاختصاصي الاجتماعي د.حسين محادين، يرى أن على الآباء التمييز بدقة، بين التقييم التربوي للفتيات، وبين الضغط المبالغ فيه، والذي يتجاوز حدود التوجيه والحوار إلى حدود الإملاء الدائم من قبل الأهل دون أن يكون للفتاة حق الرد.
ويؤكد أن كثرة الحرص على
الفتيات يمكن أن يقلب الأمور إلى أداة عنف اجتماعي نحوهم، إذ يفترض بعض الأهالي سوء
التقدير أو ضعف قدرة بناتهن على اتخاذ القرار، ما يؤثر على سلوكياتهم المغلوطة أو
المبالغ فيها، وعلى طبيعة النمو المتوازن الذي من المفترض أن يكون هو المحدد
للمقبول.
ويدعو الأهل عند اتخاذ
قرار يتعلق بتصرفات الفتاة، أن لا ينقلب الحرص الزائد، إلى أداة لمحو شخصيتها،
مبينا أن على الأهل أن يتذكروا بأن هذه الفتاة ستكون زوجة في المستقبل، وقائدة في
الحياة.
ولا يخفي الاختصاصي
النفسي د.محمد حباشنة، ارتباط العامل النفسي بهذه الظاهرة، فالبعض يعتقد أن أساليب
الحجز والحجر وضغط الحريات للفتيات، صحيحة في التربية، في حين أن ما يقابلها هو
التمرد، خصوصا في مرحلة المراهقة، مبينا أن التفاهم والنقاش ووضع قواعد أساسية
للحوار، وترك التفاصيل لهن هو الأكثر جدوى.
ويؤكد أن الضغط على الفتاة، واجبارها على بعض التصرفات، سيؤديان الى حياة مليئة بالخراب والأخطاء والتصرف بشكل سلبي نتيجة سلوك تربوي خاطئ، فينتج اضطرابات بالشخصية ومع وجود حالة الكبت التي تؤدي إلى تصرفات غير سوية.
ويؤكد أن الضغط على الفتاة، واجبارها على بعض التصرفات، سيؤديان الى حياة مليئة بالخراب والأخطاء والتصرف بشكل سلبي نتيجة سلوك تربوي خاطئ، فينتج اضطرابات بالشخصية ومع وجود حالة الكبت التي تؤدي إلى تصرفات غير سوية.
بقلم
مجد جابر
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق