قبل سنوات أصدرت الدكتورة نجاح الظهار أستاذة الدراسات الإسلامية بجامعة طيبة (كلية التربية سابقاً) كتاباً بعنوان (همسة في أذن حواء) تنصح للمرأة أن ترعى للرجل حقه، كما أصدرت كتاباً شبيهاً موجهاً إلى الرجل ليرفق بالمرأة، وعرضت كتابها في إحدى مقالاتي في صحيفة المدينة المنورة مشيداً بتفكير المرأة بهذه القضية التي غابت عن حياتنا الاجتماعية عندما سيطرت عليها تقاليد تطالب المرأة والرجل بالتصارع على السلطة في البيت متجاهلين حق القوامة للرجل ووصية المصطفى صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى المرأة حيث أوصى بذلك في حجة الوداع، وأعاد الوصية في آخر كلماته قبل أن يلحق بالرفيق الأعلى، بل كان قال في حديث سابق (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي) ومن أحاديثه صلى الله عليه وسلم (لا يكرمهن إلاّ كريم ولا يغلبهن إلاّ لئيم)
ظهر قبل سنوات كتاب في الولايات المتحدة الأمريكية بعنوان (الزوجة المستسلمة) وكتبت الكاتبة بعد ذلك (الصديقة المستسلمة) لأنها رأت قبول المرأة بالعيش مع الرجل دون زواج فقررت أن تكتب لها كتاباً تطالبها بالاستسلام، وعجباً أن المرأة العربية التي نصحت ابنتها قبل الزواج فقالت لها هذه الكلمات الرائعة: "كوني له أرضاً يكن لك سماء، كوني له مهاداً يكن لك عماداً، كوني له أمة يكن لك على الفور عبداً"
وقبل أيام قرأت مقالة نشرت في صحيفة الديلي ميل (The Daily Mail) يوم الجمعة الخامس والعشرين من شهر يوليو 2008م للكاتبة أماندا بلاتيل Amanda Platell فيما يلي ما كتبته: "بين الحين والآخر تجد كتاباً على مكتبك يكون كالقنبلة يفجر كل ما كنت تعتقد من الحكمة الشائعة، ويحطم كل الأفكار السائدة كما فعلت الكاتبة الأمريكية كاثلين باركر (Kathleen Parker) الذي يعد أكثر الكتب شجاعة في دفاعه عن الرجال وعن الأبوة وفي النهاية عن الأسرة.
فالكاتبة الأمريكية ترى أن الرجل والرجولة تعني الشرف قد تعرضت للتحطيم على يد الحركة النسوية التطرفة، وبعد ذلك من خلال قطار تطبيقاتها في المجتمع، فأصبح ينظر إلى الرجل على أنه ملعون وتافه، وبخاصة إسهامه في الأسرة. وتصف كاتبة المقالة المؤلفة بالشجاعة وبخاصة أنه في نظر كثير من النساء وكذلك المجتمع الليبرالي أن القول بأن الرجال قد ظلموا إنما هي هرطقة وخروج عن المعقول. وقد يقول هؤلاء إن المؤلفة تستحق أن تحرق ولكن أليس من السخرية أن تكون امرأة هي التي تطلق هذه المناشدة لإنصاف الرجل.
تقول كاثلين (مؤلفة الكتاب): "وما دام الرجال يشعرون أنهم مهمشون من قبل النساء الذين عليهم الوصول إلى رضاهن وموافقتهن، وما داموا يشعرون بالإبعاد والغربة عن أطفالهم ويعاملون كأنهم مجرمين من قبل المحاكم الأسرية وما داموا قد فقدوا الاحترام من قبل الثقافة التي لم تعد تقدر ارتباط الرجولة بالشرف، وما دام الأبناء فصلوا عن آبائهم المعتوهين أو المخبولين وأشعل النساء والرجال حرباً جنسية عندها فإننا نواجه انتحار المجتمع" وتضيف "عندما حاولنا أن نجعل العالم أكثر إنصافاً للمرأة فقد أحدثنا تعديلات كانت مقبولة من الجميع ولكنها ظلمت الرجل ففي محاولتنا حماية شرف المرأة أفقدنا الرجل شرفه. وحين حاولنا أن نخضع الأشياء بجعل الأم العازبة تشعر بالارتياح لدورها وذلك بتدمير دور الأب والنظر إلى المرأة كراعية متفوقة فقد قطعنا مشواراً طويلاً لتدمير أحد أسس المجتمع الناجح وهو الحياة الأسرية.
وتواصل المؤلفة في الدفاع عن الرجل حيث تقول: "تخيلوا أن الرجال طالبوا أن تكون النساء مثلهم، يلبسن مثل الرجال ويتصرفن مثلهم وحتى تصبح مظاهرهن كالرجال فذلك ما فعلته فترة ما بعد الحداثة في مجتمعنا الأنثوي ولكن بطريقة معكوسة.
إن القيم التقليدية الرجالية المرتبطة بالشرف قد أصبحت الآن ما هي إلاّ إهانة للمرأة وما يكن الرجال مثلنا فإنهم يهينوننا ويهددون وجودنا وبالتالي فالمسألة تصبح تأنيث الرجال أو كما نصفها بعبقرية (الوصول إلى الجانب الأنثوي من الرجل) – الطريف أن زوجة الرئيس الفرنسي ساركوزي امتدحت الرجل الإنجليزي أنه لا يخفي الجانب الأنثوي فيه.
وتضيف المؤلفة وهكذا وُلد رجل جديد من نوع جديد والنموذج الرجال المقبول هو ديفيد بكهام David Buckham الذي يضع مكياجاً أكثر من أوانسه، ويزيل شعره حتى لا يكون فيه أي شعر ويضع العطور والمساحيق ويخضع لزوجته وربما يرتدي ملابسها الداخلية. وأصبح وجود الآباء الطيبين والأزواج المحبين والرجال ذوي الشهامة قليلاً أو نادراً حتى في القصص الخيالية في التلفزيون. ولكن في الواقع لم يعد كافياً أن نطالبهم أن يكونوا مثلنا نحن المخلوق المتفوق وإنما علينا أن نطعن في الرجال كذلك ونعاملهم بكل ما تطلبه الثقافة الشعبية على أنهم لا فائدة منهم ولا يستحقون الثقة. وحتى نعاملهم بصورة مضحكة أو بعنف على أنهم غشاشين لا يصلحون لحمل الأمانة.
هذا هو الصنف الجديد من المخلوقات، وتتحدى المؤلفة أن نجد صنفاً من الرجال يستحقون الثقة والاعتماد عليهم في النموذج الذي اخترعه التلفزيون والسينما حين يصور الآباء دائماً على أنهم غير أكفاء أو إن تصرفاتهم غير متوقعة وأنهم متوحشون قساة ولو صورت أي أقلية عرقية بمثل هذه الصورة لتعرضت لهجوم كاسح عنيف على الهواء.
وتحدد المؤلفة (باركر) الأسباب التي أدت إلى نبذ الرجال فذكرت أولاً خلق مؤسسة الأمومة على حساب الأبوة حيث تقول: "يبدو أننا نقبل أن الأطفال يجب أن لا يكونوا بغير أمهات، وننظر إلى مساهمة الآباء على أنها اختيارية" وقد صرحت نيكولا بروور Nicola Brewer الرئيسة التنفيذية للجنة المساواة الإنسانية: " لقد هُمّش دور الآباء إلى درجة اعتبارهم مجرد بهارات في تنشئة أبنائهم" وتدعم الدولة أسطورة أن الأم هي الفضل وبالتالي فإن المحاكم الأسرية تجعل الآباء فعلاً عبيداً للدولة فتصبح رواتبهم أو أجورهم ملكاً للدولة ووقتهم مع أطفالهم يحدده قاضي محكمة الأسرة ويواجه الأب السجن إذا لم يقم بدفع نفقات الأبناء في الموعد. وتزداد حالة الأبوة الافتراضية بدعم من المحاكم الأسرية حيث يمكن للأم أن تأخذ الأبناء إلى أي مكان ويمكن للأب الاتصال بأبنائه بالهاتف أو عن طريق الإنترنت.
ومن الأسباب أيضاً زيادة ظاهرة الطلاق التي أدت إلى ارتفاع نسبة الأمهات غير المتزوجات ومعاقبة الآباء وتهميش دورهم فهناك ثلاثين إلى أربعين في المائة (30-40%) من كل أطفال أمريكا يبيتون بلا أب (صدر كتاب قبل سنوات بعنوان أمريكا اليتيمة أو أمريكا بلا أباء) Fatherless America ، وترى المؤلفة أن أكبر ضربة لمكانة الرجل في الأسرة جاء من الانفجار في الأمومة وجعلها أمراً طبيعياً.
لقد تم إعلاء شأن الأم العازبة من نتيجة لتخطيط سيئ إلى عمل يدل مخطط له وبإصرار على تحقيق الذات، لقد ساعدنا في إنشاء عالم لا يكون فيه الآباء فقط نادرين ولكن عالم يكون فيه وجود الآباء أمراً زائفاً. وأصبحت النساء العازبات يبحثن عن متبرعين بحيواناتهم المنوية كما يبحثن عن آخر موديل من الأحذية. لقد ارتفعت نسبة الأطفال الذين يولدون لأمهات غير متزوجات من سن الثلاثين إلى الرابعة والأربعين بسبعة عشرة في المائة من عام 1999إلى عام 2003م وباختصار فقد جعلنا الرجال لا قيمة لهم في الوقت الذي تتبنى المجتمعات الأم العازبة على أنها النواة للأسرة خوفاً من إهانة الإخواتية.
وحين يولد طفل من لقاء جنسي عادي فإن النتائج كذلك كارثة على الرجال فليس لهم حقوق وإنما عليهم واجبات، فلو حملت المرأة فإنه بإمكانها الإجهاض دون موافقة الرجل وإذا اختارت مواصلة الحمل فإنها تحصل على الطفل وترسل الفاتورة إلى الأب. إن عدد الأطفال الذين يعيشون في بيوت ليس فيها أب قد ازداد بنسبة ثلاثة أضعاف عما كان عليه الأمر عام 1960 من ثمانية ملايين إلى أربعة وعشرين مليوناً وبالتالي فإن الرجل في القرن الواحد والعشرين يشعر بمزيد من العزلة وأنه لا قيمة له.
وناقشت المؤلفة كذلك تأنيث التعليم وقدمت براهين قوية جداً على أن عقول الأولاد والبنات قد تغير توجيهها خلال العشرين سنة الماضية في أمريكا وبريطانيا، لقد جعل التعليم أصعب على الأولاد وأكثر ملاءمة للبنات وكانت النتيجة هو ازدياد الفجوة بين المستوى الأكاديمي للبنات والأولاد بتفوق البنات، ففي عام 2005 تخرجت 133 امرأة مقابل كل مائة رجل وبنهاية هذا العقد ستزيد الفجوة حيث سيصبح الرقم 142 امرأة مقابل كل مائة رجل، وهذا الرقم أكبر بين الأقليات. وتضيف المؤلفة :" إن جزءاً من قوة أمتنا كان دائماً هو الأسرة فإصلاح الأسرة أمر حساس لاستمرارنا في هذه الأوقات العصيبة والخطيرة، وكذلك الأمر احترام الرجال وأهمية إسهامهم في حياة الأطفال والمجتمع."
وتضيف في الحديث عن مكانة الأسرة بقولها " إن النشأة بلا أب إنما هو أكثر المؤشرات قوة على الفقر وعلى الأمراض الاجتماعية بما فيها المخدرات وسوء التصرف والانحراف والفوضى الجنسية، ومع ذلك فما زالت بعض الأصوات الأنثوية ترى أن دور الرجل غير ضروري"
وترى المؤلفة أنه ما لم "نستيقظ ونستيقظ بسرعة وندرك أهمية الرجال في حياة الأسرة كما نعرفها فإننا نتعرض للدمار لأننا في محاولتنا خلق عالم لطيف مع المرأة خلقنا بغير عقل ولا حكمة ثقافة معادية للرجل وليس في مكان العمل ولكن في أهم مكان هو البيت"
والعالم بلا رجولة مكان خطير فلا بأس أن تساوى القوات المسلحة بين الرجال والنساء ولكن إذا جد الجد واحتاج الطفل والمجتمع إلى الإنقاذ فإن المسؤولية لن تقع على كاهل النساء، وفي عالم يزداد عدوانية فإننا نحتاج إلى رجالنا ونحتاجهم ليكونوا رجالاً ليظهروا لنا قوة عضلية وشجاعة وحتى بعد قرن من التدخل الأنثوي. وفي السنوات القادمة نحتاج رجالاً يدركون مسؤوليتهم تجاه الأسرة والبلاد، ونحتاج أولاداً اكتسبوا فضائل الشرف والشجاعة والبسالة، ونحتاج نساء ً مستعدات يدعن الرجال ليكونوا رجالاً وأولاداً يكونوا أولاداً.
وتختم كاتبة المقالة بالقول: ونحتاج نساء مثل كاثلين باركر التي تحارب بشجاعة من أجل الرجال وإنقاذ الرجال سوف ينقذ النساء وأيضاً الأطفال حيث إننا سنفيد من مجتمع يشعر الجميع بالاحترام والمسؤولية والاعتراف بنبل الرجل والاعتراف بمواهبه سيفيد الجميع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق